مشاركات سوريا

يوسف العظمة.. شهيد الكرامة وبطل معركة ميسلون

أبريل 25, 2025

يوسف العظمة.. شهيد الكرامة وبطل معركة ميسلون

عصام يزبك



في صفحات التاريخ السوري، لا يمرّ اسم يوسف العظمة مرورًا عابرًا، بل يقف شامخًا بين رجال الوطن الذين رفضوا الانكسار، وواجهوا الغزاة بكرامة وشرف، حتى وإن كانت الهزيمة مؤكدة.



هو رجل لم ينتصر في ميدان المعركة، لكنه ربح معركة الوعي الوطني، وزرع بذور المقاومة في وجدان الأجيال.


وُلد يوسف بن إبراهيم العظمة عام 1884 في حيّ الشاغور بدمشق، لعائلة دمشقية عريقة من الطبقة الوسطى.


تلقّى تعليمه الأولي في دمشق، ثم التحق بالمدارس العسكرية العثمانية، حيث برز بذكائه وانضباطه، فطُلب منه متابعة دراسته في الكلية الحربية في إسطنبول.


كان من أوائل الضباط السوريين الحاصلين على تدريب عسكري متقدّم وفق النمط الأوروبي، وأتقن إلى جانب العربية، التركية، والفرنسية، والألمانية، ما أضفى عليه احترامًا ومكانة عالية بين زملائه.


خدم العظمة في الجيش العثماني خلال الحرب العالمية الأولى، وتدرّج في الرتب حتى وصل إلى رتبة ميرلاوا (ما يعادل عميدًا)
لم يكن مجرد ضابط، بل كان مثقفًا وطنيًا يرفض الفساد الإداري والعسكري المستشري في الدولة العثمانية آنذاك.


وبعد انهيار السلطنة العثمانية، عاد إلى دمشق عام 1918 ليضع خبرته العسكرية في خدمة مشروع الدولة السورية الحديثة.



مع قيام الحكومة العربية برئاسة الملك فيصل بن الحسين، عُيّن يوسف العظمة وزيرًا للحربية عام 1920، في وقت بالغ الحساسية. فقد بدأت فرنسا تنفيذ اتفاقية سايكس – بيكو، سعياً لفرض انتدابها على سوريا. رفض العظمة التفاوض على شروط الانتداب، واعتبر ذلك خيانة لمبادئ الثورة العربية، مؤمنًا بسيادة سوريا واستقلالها التام.



حين قررت فرنسا إرسال جيشها بقيادة الجنرال هنري غورو لاجتياح دمشق، رفض العظمة تسليمها دون قتال.
ورغم إدراكه لضعف القوات السورية، التي لم تكن سوى مجموعة من المتطوعين المسلحين بأسلحة قديمة، قرر المواجهة، وقال عبارته الشهيرة:



لن أدع الفرنسيين يدخلون دمشق إلا على جثتي.”


جمع ما أمكن من رجال، وانطلق إلى سهل ميسلون، على بُعد نحو 25 كيلومترًا من دمشق، حيث خاض معركته الأخيرة في 24 يوليو/تموز 1920.



دخل الجيش الفرنسي المعركة بتسعة آلاف جندي مدجّجين بالمدافع والطائرات والدبابات، في مواجهة نحو ثلاثة آلاف مقاتل سوري، معظمهم من الفلاحين والمتطوعين.


استمرت المعركة لساعات قليلة، سقط خلالها يوسف العظمة شهيدًا، ومعه المئات من رجاله. دخل الفرنسيون دمشق بعد يوم، لكنهم لم يدخلوا إلى مدينة مهزومة، بل إلى مدينة أنجبت قائدًا قاوم حتى النهاية، ورفض الخضوع.



أثار استشهاد العظمة صدمة في الشارع السوري. لم يكن الانتصار متوقعًا، لكن موقفه البطولي أعاد للناس كرامتهم.


تحوّل قبره في سهل ميسلون إلى ضريح وطني، وأُطلقت اسمه على شوارع وساحات ومدارس، تكريمًا لروحه الوطنية.


رغم مرور أكثر من قرن على استشهاده، لا يزال يوسف العظمة حاضرًا في وجدان السوريين. يُذكر في المناهج الدراسية، ويُستدعى اسمه كلما طُرحت قضايا السيادة الوطنية والاستقلال. لقد علّم السوريين أن النصر لا يكون دائمًا في نتيجة المعركة، بل في الموقف.. وأن الموت من أجل الكرامة حياة لا تنتهي.



لم يكن يوسف العظمة مجرد شخصية عسكرية في لحظة حرجة من التاريخ، بل كان روحًا وطنية خالصة.


قد لا يكون انتصر في ميسلون، لكن تاريخه انتصر. سقط جسده في المعركة، وارتفع اسمه في ضمير الأمة،
ليبقى حيًا في كتب التاريخ، وفي أحاديث الناس، وفي قلب كل من يؤمن أن الكرامة لا تُقايض.

شارك

مقالات ذات صلة