مدونات

محمود عباس.. أي سقوط!!؟؟

أبريل 24, 2025

محمود عباس.. أي سقوط!!؟؟

للكاتب: ظاهر صالح

 

لم تكن زلة لسان، بل سقطة وطنية وأخلاقية أثارها محمود عباس أبو مازن بتصريحاته الأخيرة. فقد شن هجومًا حادًا على المقاومة الفلسطينية في غزة، وعلى رأسها حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، مما أثار موجة غضب وجدل واسع في الأوساط الشعبية وبين رواد منصات التواصل الاجتماعي. جاء ذلك خلال افتتاحه لأعمال الدورة الـ32 للمجلس المركزي الفلسطيني، حيث طالب بتسليم الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة بألفاظ وُصفت بالنابية وغير اللائقة، بدلًا من توجيه الاتهامات إلى الكيان الصهيوني ومطالبته بوقف المجازر والاعتداءات المتكررة على الشعب الفلسطيني.

في بيان أثار جدلًا واسعًا، دعت اللجنة المركزية لحركة فتح، حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إلى “التوقف عن المضي بمصير الشعب الفلسطيني وفق أجندات خارجية”، وحمّلت اللجنة المركزية حركة (حماس) مسؤولية تعطيل المسار الوطني الفلسطيني، مطالبة إياها بالانصياع لما وصفته بجهود محمود عباس، والالتزام بالسياسات التي تنتهجها منظمة التحرير الفلسطينية.

تعكس هذه التصريحات، التي تتزامن مع تصاعد الاعتداءات الإسرائيلية الوحشية على قطاع غزة وتفاقم الأزمة الوطنية، بحسب مراقبين ومحللين، تحولًا في الأولويات السياسية للسلطة الفلسطينية، وتنم عن محاولة خطيرة لإلقاء مسؤولية الأزمة على المقاومة بدلًا من مواجهة الاحتلال.


لا يمكن فصل تصريحات اللجنة المركزية لحركة فتح عن المسار الذي تسلكه السلطة الفلسطينية منذ سنوات، والذي يتجسد في التنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي، وملاحقة المقاومين في الضفة الغربية، وتشويه صورة المقاومة المسلحة بكافة أشكالها، تحت حجج (المصلحة الوطنية) و(الشرعية الدولية). في الوقت الذي يُقتل فيه الفلسطينيون يوميًا في قطاع غزة وتُهدم منازلهم في الضفة الغربية، تفضل السلطة الفلسطينية توجيه انتقاداتها لحركة (حماس)، بدلًا من تحميل الاحتلال مسؤولية الأحداث الجارية.

في خضم غياب محمود عباس عن المشهدين الميداني والسياسي في هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها القضية الفلسطينية منذ نكبة 1948، يخرج محمود عباس أبو مازن بعد أكثر من 18 شهرًا من الصمت والتواطؤ ليشتم شعبه، ويبرر جرائم الاحتلال، ويدافع عن نتنياهو في وجه ضحاياه من الأطفال والنساء، ويصر عباس حتى في اللحظات الأخيرة من عمره السياسي، على أن يكون خصمًا للشهداء وعائلاتهم، حيث أوقف رواتب عائلات الشهداء والجرحى والأسرى، وعزز التنسيق الأمني مع الاحتلال رغم المجازر، ورفض الانضمام إلى أي موقف وطني موحد، وعطّل كل مسارات المقاوم.

ويواصل فريقه السياسي توجيه خطاب يحمّل المقاومة مسؤولية التدهور الراهن، ويرى مراقبون في ذلك محاولة لتبرير العجز والشلل التام الذي تعاني منه السلطة، وتخوفها من فقدان نفوذها المتبقي في ظل تنامي دور فصائل المقاومة في غزة والضفة الغربية المحتلة.

بينما تتصدى كتائب المقاومة في غزة لآلة القتل الإسرائيلية، تستمر أجهزة أمن السلطة في ملاحقة النشطاء في جنين ونابلس وطولكرم، وتعتقل كل من يرفع صوته دعمًا للمقاومة أو ينتقد أداء السلطة. وقد كشفت تقارير عديدة عن تواطؤ أجهزة السلطة في تسليم معلومات حول نشطاء مطلوبين لقوات الاحتلال، وعرقلة عمليات لفصائل المقاومة قبل وقوعها، في تنسيق وصفه بعض المحللين بأنه أقرب إلى (الخيانة الوظيفية)، باعتبار أن السلطة باتت تؤدي دورًا أمنيًا لصالح الاحتلال مقابل الحفاظ على وجودها ومصالح نخبها الحاكمة.


في ظل هذه الممارسات، تبدو تصريحات اللجنة المركزية لحركة فتح غطاءً سياسيًا لهذه الوظيفة الأمنية، وتكريسًا لمعادلة خطيرة مفادها أن الأولوية ليست لمواجهة الاحتلال، بل لضبط الشارع الفلسطيني وتفكيك جبهته الداخلية، حتى وإن كان ذلك على حساب الدم الفلسطيني النازف.

في حين تطرح المقاومة في غزة، وعلى رأسها حركة (حماس)، مشروعًا للتحرير ومواجهة الاحتلال في ظل ظروف إنسانية وسياسية شديدة التعقيد، تصر السلطة الفلسطينية على التمسك بمشروع الدولة تحت الاحتلال، وهو مشروع أثبت فشله على مدار أكثر من عقدين. فعلى الرغم من مرور أكثر من ثلاثين عامًا على تأسيس السلطة، لم تُفضِ مفاوضات أوسلو إلى دولة فلسطينية، بل أدت إلى المزيد من الاستيطان والتهجير والانقسام وتكريس الاحتلال.

تتضح المفارقة جلية: فبينما يُراق الدم الفلسطيني في غزة بشكل يومي، وتُجرف الأراضي في الضفة، وتُدنس المقدسات، تصر السلطة الفلسطينية على مواقفها المتصلبة تجاه المقاومة، متهمة إياها بتنفيذ أجندات خارجية، في حين أنها تنفذ أجندة التنسيق الأمني والشرعية الزائفة، التي باتت تخدم مصالح الاحتلال أكثر من تطلعات الشعب الفلسطيني.

في خضم التحديات الجسام التي تواجه الشعب الفلسطيني، من حرب إبادة وتهجير قسري في غزة إلى قمع في الضفة الغربية، يظهر أن الأكثر التزامًا بالمصلحة الوطنية هم أولئك الذين يحملون السلاح لمقاومة الاحتلال والدفاع عن الشعب والأرض، وليس أولئك الذين يختبئون وراء خطاب بالٍ ومصالح فئوية ضيقة.


إن حديث اللجنة المركزية لحركة فتح عن أجندات خارجية وشرعية فلسطينية لم يعد مقنعًا لشعب يشاهد بأم عينه من يقاتل ومن يصمت ويتآمر، من يُستشهد ومن يوقع على التنسيق الأمني. وفي هذا السياق، تبرز حقيقة مهمة، وهي أن المقاومة، بكل فصائلها، أصبحت تمثل صوت الشارع الفلسطيني، بينما تواصل السلطة الفلسطينية مسيرتها نحو التهميش والانحسار والسقوط، حتى يطويها التاريخ كغيرها من التجارب الفاشلة.

 

شارك

مقالات ذات صلة