رحلة شعب من القهر إلى الأمل… هل تكون هذه بداية الدولة التي طال انتظارها؟
أبريل 23, 2025
74
رحلة شعب من القهر إلى الأمل… هل تكون هذه بداية الدولة التي طال انتظارها؟
من يراقب الشارع السوري اليوم، يلمس شعورًا عامًا يتجاوز مجرد الترحيب بحكومة جديدة. هو نوع من اللهفة، من الالتفاف الشعبي العاطفي والعميق، كأن السوريين جميعهم – أو معظمهم – ينتظرون هذه اللحظة منذ زمنٍ بعيد. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا هذا التفاعل الكبير؟ ولماذا يبدو أن الشعب السوري، رغم كل ما عاناه، مستعد لأن يمنح ثقته من جديد؟
الجواب يبدأ من الجرح المفتوح. لقد عاش السوريون تجربة سياسية هي الأقسى في التاريخ الحديث لمنطقة الشرق الأوسط. حكم البعث الذي استولى على الدولة، قضى على الحياة السياسية، وألغى التعددية، وزرع الرعب في القلوب عبر أجهزة مخابراته. وعندما انتقلت البلاد إلى حكم عائلة الأسد، أصبحت سوريا رهينة لأجندة عائلية طائفية، اختزلت الوطن في صورة الرئيس، وحرّفت مفهوم الوطنية إلى أداة لتمجيد الفرد وشيطنة المجتمع.
دولة كانت ضد شعبها
لم تكن المأساة السورية فقط في الفقر أو البطالة أو تردي الخدمات، بل في أن الدولة كانت خصمًا مباشرًا لشعبها. المواطن السوري لم يكن يهاب العدو الخارجي بقدر ما كان يخشى “الحكومة”، أي تلك المنظومة التي من المفترض أنها وُجدت لخدمته. لقد عاش السوريون في ظل حكم البعث والأسد وهم محرومون من أبسط مقومات الحرية، تحت سطوة الطوارئ والاعتقال السياسي والتعذيب والتغييب. لهذا، عندما سقط النظام، أو بالأحرى سقط رمزه، تنفّس السوريون الصعداء.
لكن التنفس لا يكفي. فهم بحاجة لدولة جديدة، لسلطة لا تذكرهم بالمخبر، ولا تشبه الجلاد.
الحكومة الجديدة كرمز للتحول
الحكومة الانتقالية أو القيادة الجديدة – رغم أنها لا تزال في بداياتها – تحمل معاني كبيرة للسوريين. هي ليست فقط “سلطة بديلة”، بل مشروع خلاص. السوريون لا يريدون حاكمًا جديدًا بوجه مختلف، بل نظامًا جديدًا بمعايير جديدة. يريدون دولة قانون، لا دولة أمن. دولة مؤسسات، لا دولة أفراد. دولة يشارك فيها المواطن في القرار، لا يُقصى أو يُسحق. هذا الحنين للدولة، أو هذه اللهفة لإعادة بناء ما هدمه الاستبداد، هو ما يجعل الشعب يلتف اليوم حول أي مبادرة وطنية حقيقية. لأنهم ببساطة تعبوا من الفوضى، وتعبوا أكثر من الاستبداد المقنّع.
المعاناة صنعت وعيًا سياسيًا متقدمًا
ما يميز المزاج الشعبي السوري في هذه المرحلة هو أن الناس لم يعودوا يتصرفون من منطلق العاطفة فقط، بل من منطلق تجربة طويلة مريرة. جربوا الوعود الفارغة، وجربوا الدول التي باعتهم، وجربوا الفصائل التي استغلتهم، وجربوا قيادات نصّبت نفسها دون شرعية. واليوم، يريد السوريون شيئًا مختلفًا. يريدونه نابعًا منهم، ناطقًا بألمهم، ومعبّرًا عن تطلعاتهم.
ولذلك، فإن اللهفة اليوم ليست غباءً سياسيًا، بل فعل مقاومة. مقاومة للعودة إلى القهر، ومقاومة للاستسلام للفوضى. هي محاولة لاستعادة حقهم في أن يكون لهم وطن يُحكم بالعقل لا بالرصاص.
التحدي أمام الدولة الجديدة
لكن لا يكفي أن يلتف الشعب حول الحكومة، إن لم تلتف الحكومة حول الشعب. لا يكفي أن يُمنح القادة فرصة، إن لم يقدّموا إنجازًا يليق بهذه الفرصة التاريخية. على الدولة الجديدة أن تُثبت أنها وُلدت من رحم الثورة، لا من بقايا النظام. عليها أن تحارب الفساد، وأن تفتح المجال لكل صوت حر، وأن تؤسس لعدالة انتقالية لا تقفز على الجرائم بل تفضحها وتحاسب مرتكبيها. وعليها قبل كل شيء أن تُصغي… لأن هذا الشعب يستحق أن يُصغى إليه بعد سنوات من التهميش والتكميم.
الخاتمة: الشعب لا ينسى… لكنه يسامح من أجل الوطن
الشعب السوري لا ينسى من قتله، ولا من خان قضيته، لكنه يملك قدرة نادرة على التسامح إن رأى صدقًا وإخلاصًا. وهو اليوم يضع ثقته مجددًا – رغم الجراح – في تجربة جديدة، في دولة يريدها دولة عدالة لا انتقام، إصلاح لا انتهاز، شراكة لا احتكار. وهذه الثقة، رغم كل شيء، هي أعظم ما تملكه سوريا اليوم.