مدونات

غزة بين صمت الأنظمة العربية وتذرع المسلمين بالعجز والاكتفاء بالبكاء والندب والنحيب!

أبريل 21, 2025

غزة بين صمت الأنظمة العربية وتذرع المسلمين بالعجز والاكتفاء بالبكاء والندب والنحيب!

الكاتب: ظاهر صالح


في ظل تفاقم الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة، واستمرار حرب الإبادة ومنع دخول المساعدات الإنسانية، وسط صمت دولي مطبق وعجز عن وقف ما يُعد من أخطر الانتهاكات الجماعية لحقوق الإنسان في العصر الحديث، ومع تصاعد عمليات التهجير القسري وقطع الإمدادات وغياب الممرات الآمنة، تتكشف ملامح جريمة إبادة جماعية ممنهجة تستهدف الوجود المدني الفلسطيني في غزة بشكل لا يمكن تجاهله أو السكوت عنه.


مع كل ساعة تمر على سكان قطاع غزة، يزداد البقاء على قيد الحياة صعوبةً، لا يقتصر الأمر على القصف المتواصل والانهيار التام للمنظومة الصحية، بل يتعداه إلى أن أصبح الخبز ترفًا، والماء النظيف أمنية، والطعام حلمًا بعيد المنال. ومع انقطاع الإمدادات وشُحّ مقومات الحياة الأساسية، يعيش أكثر من مليوني شخص في القطاع تحت حصار خانق يهددهم بالموت جوعًا أو قهرًا، في ظل صمت عربي مطبق وتقاعس دولي عن تحمل مسؤولياته الأخلاقية والإنسانية والقانونية.

أعلنت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) منذ أيام أن قطاع غزة لم يتلقَّ أي مساعدات إنسانية منذ الثاني من آذار/مارس الماضي، مسجلًا بذلك واحدة من أطول فترات الحصار الإنساني منذ بدء حرب الإبادة. وأشارت الوكالة إلى أن هذه الفترة، التي تجاوزت ستة أسابيع، تفوق بثلاثة أضعاف فترات الانقطاع السابقة، وذلك في ظل استمرار القصف ومنع وصول الإمدادات، الأمر الذي يضع القطاع على حافة كارثة غير مسبوقة.

أكدت وكالة الأونروا أن حوالي 69% من قطاع غزة يخضع حاليًا لأوامر إخلاء قسري صادرة عن جيش الاحتلال، وذلك بموجب أكثر من 20 أمرًا عسكريًا. وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن 420 ألف شخص قد نزحوا مجددًا خلال الأيام القليلة الماضية فقط، منذ استئناف القصف في مطلع أبريل الجاري. وبذلك، يرتفع إجمالي عدد النازحين قسرًا منذ بداية العدوان إلى أكثر من 1.9 مليون فلسطيني، يعيشون في ظروف نزوح مزمنة، ويفتقرون إلى المأوى والحماية ومقومات الحياة الأساسية.


في هذا السياق، حذرت الوكالة من أن استئناف الهجمات ومنع دخول المساعدات يعيق قدرة المنظمات الإنسانية على تلبية الاحتياجات الأساسية للسكان من الغذاء والماء والصرف الصحي والرعاية الطبية، في حين تتعرض مناطق واسعة في القطاع لحصار مزدوج يتمثل في القصف والجوع.

إن ما يجري في غزة لم يعد مجرد أزمة إنسانية أو خروقات متكررة للقانون الدولي الإنساني، بل هو ممارسات منهجية ترقى إلى جريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان، وفقًا لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1948. فمنع الغذاء والماء والدواء، وقصف أماكن اللجوء والمستشفيات والمنازل، والتهجير القسري للسكان من منطقة إلى أخرى دون ضمانات، سلوك لا يمكن وصفه إلا بأنه عملية متعمدة تستهدف تدمير جماعة وطنية بأكملها عبر إخضاعها لظروف معيشية قاتلة.


لا يترك القانون الدولي مجالًا للغموض فيما يتعلق بالإبادة الجماعية؛ إذ يعتبر تجويع السكان حتى الموت، ومنع وصول المساعدات الإنسانية إليهم، وتهجيرهم المتكرر تحت القصف، ممارسات محظورة صراحةً وجرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم ولا يمكن تبريرها بأي ذريعة أمنية أو عسكرية.

يتحمل المجتمع الدولي، وفي مقدمته الأمم المتحدة، مسؤولية قانونية وأخلاقية مباشرة عن استمرار هذه الجرائم. فالصمت المتكرر، والتقاعس عن التحرك الفوري لفتح ممرات إنسانية دائمة وتفعيل آليات المحاسبة، والسماح باستمرار العدوان بلا رادع، يعد تواطؤًا فعليًا في جريمة إبادة جماعية واضحة. كما أن الدول الأطراف في اتفاقيات جنيف وأعضاء المحكمة الجنائية الدولية مطالبون الآن بالوفاء بواجباتهم في حماية المدنيين ووقف الجرائم، بدلًا من الاكتفاء بإصدار بيانات تعبر عن القلق.


مع تفاقم الأزمة، تشهد غزة وضعًا مأساويًا غير مسبوق، حيث يموت الأطفال جوعًا، وتضطر العائلات إلى حرق الأثاث للطهي، وتتشكل طوابير طويلة لساعات للحصول على وجبة طعام غير مضمونة. في الوقت نفسه، يستمر العدوان والقصف، بينما تُمنع شاحنات الغذاء والدواء من الدخول، وتُغلق المعابر بقرارات عسكرية تمثل انتهاكًا صارخًا لكل الأعراف الإنسانية.

بناءً على هذه المعطيات، يجب فتح تحقيقات مستقلة في سياسة الحصار والتجويع المطبقة في غزة، ومحاسبة المسؤولين عنها بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية. كما يتعين ممارسة ضغط دولي حقيقي لإجبار الاحتلال على فتح المعابر وتأمين وصول المساعدات العاجلة، بهدف إنقاذ الأرواح المهددة بالموت.


إن السكوت عن هذه المأساة لا يهدد حياة المدنيين فحسب، بل يقوض أيضًا الأساس الذي قامت عليه منظومة القانون الدولي المعاصر، ويؤسس لسابقة خطيرة تتمثل في إمكانية ارتكاب إبادة جماعية في القرن الحادي والعشرين دون محاسبة أو رادع.

إلى متى يستمر صمت الأنظمة العربية وتخاذلها، وتذرع المسلمين بالعجز والاكتفاء بالبكاء والندب والنحيب؟ أما تستدعي هذه الأوضاع الكارثية والتحذيرات المتواصلة تحركًا عاجلًا لوقف حرب التجويع والحصار على غزة، ووضع حد لهذه المجازر الوحشية والعربدة الإسرائيلية؟

شارك

مقالات ذات صلة