آراء

التاريخ حين يَظلم ويُظلَم: من يكتب روايتنا في صراع الذاكرة والهوية؟

أبريل 20, 2025

التاريخ حين يَظلم ويُظلَم: من يكتب روايتنا في صراع الذاكرة والهوية؟

لطالما لاحظت أن الطريقة التي نقرأ بها تاريخنا العربي والإسلامي تحتاج منا الى وقفات و تأملات في أمر خطير جدا أصبحنا نستشعره ، و هو أن هناك يدًا خفية تعبث بالسرديات، فتُعلي من شأن من تشاء، وتُسقط من تشاء، وتُلبس الحقيقة أقنعة الغلبة أو الهزيمة، حسب هوى الكُتّاب والمؤرخين لا منطق الوقائع والتحليل المادي .


فنجد تكرر السرديات ذاتها دون تمحيص، وكأن التاريخ خُتم على صورته تلك، ولا يجوز المساس به ، ورأيت كيف نُسي المظلومون، وشُوّهت سيرة بعض العظماء، وتم تجريد العرب – مثلاَ-   من دورهم المحوري في بناء حضارتهم، وتقديمهم فقط كتوابع أو مقلدين أو مستبدين.

والتاريخ لمن يراه بعين البصيرة لا يخلو من كونه أحيانا مرآة مشروخة تعكس ما تريده القوى المهيمنة أن يُرى، وتخفي ما لا يخدم روايتها ، وكثيرًا ما كُتب التاريخ ليخدم القوة لا الحقيقة، فصار التاريخ ظالمًا حين غابت عنه العدالة ومات فيه ضمير التوثيق، ويكون مظلومًا حين تختزل وقائعه أو تشوه رموزه أو تحجب صفحاته النقية عن الأجيال.


فقد عانت الأمة الإسلامية والعربية من هذا الظلم المزدوج ..  أولًا حين تعمّد المستعمر أو قوى الشر تشويه تاريخها وصورتها، وتجريدها من مجدها، وتسفيه تراثها، عبر مناهج مشبوهة ومؤسسات أكاديمية زُرع فيها الشك في كل ما هو نتاج عربي أو إسلامي ،  وثانيًا حين ساهم بعض أبناء هذه الأمة ، عن قصد أو جهل، في إعادة إنتاج ذلك التشويه، إما من خلال تكرار الروايات المغرضة، أو بتقديم التاريخ في صورة باهتة بلا روح ولا سياق ولا فخر وبلا أي شعور ولا اعتزاز .

ومن الأمثلة الصارخة على هذا التزوير والبهتان ، ما لحق بتاريخ الدولة الأموية، تلك الدولة العربية التي رغم ما أُخذ عليها، كانت أول من جعل اللغة العربية لغة عالمية تهيمن على الأقاليم العالمية ، ولها الجهود في نشر الإسلام في أعماق آسيا وأفريقيا والأندلس، وخلّدت أسماءً مثل طارق بن زياد، وقتيبة بن مسلم، وعقبة بن نافع. لكنها صُوّرت في كتب كثيرة على أنها دولة عنصرية و يعتريها الفساد بأنواعه من قمع وبذخ و صراع طبقي، لا لشيء إلا لأنها عربية وقوية وناجحة في التمدد.

وفي العصر القريب، نجد مثالًا آخر واضحًا في ثورة الجزائر ضد الاستعمار الفرنسي، التي ضُيّع وهجها في كثير من الكتب الغربية، وقلل من شأنها بعض المؤرخين العرب أيضًا بعمد أو دون عمد  ، فهذه الثورة العربية المسلّحة، التي استمرت أكثر من سبع سنوات وقدّمت أكثر من مليون ونصف شهيد، أعادت تعريف الكرامة الوطنية والهوية العربية في وجه أبشع احتلال استيطاني وهو الاحتلال الفرنسي العنصرية المتوحش ،  ومع ذلك، لا تزال كثير من المدارس لا تعطيها حقها، بل تُعرض كحادثة محلية لا كبطولة أممية عروبية.


فلذلك فإن إعادة الاعتبار للتاريخ لا تعني تبرئته من الزلات، بل تحريره من القيود المزيفة والاتهامات الباطلة ، وقراءته بروح عادلة، ترى في صفحات النهوض والعثرات معًا دلائل على عمق التجربة الحضارية فنستفيد من الاخطاء و ننتشي و نعتز بالانجازات ، فالتاريخ حين يُكتب بضمير حرّ، لا يكون مجرد ماضٍ يُروى، بل يتحوّل إلى بوصلة تهدي الحاضر، وتفتح مسارات المستقبل.

 

شارك

مقالات ذات صلة