آراء

إن كان تشجيعنا للمقاومة كمشاهدة مسلسل أو مباراة كرة… فالأفضل أن نصمت!

أبريل 19, 2025

إن كان تشجيعنا للمقاومة كمشاهدة مسلسل أو مباراة كرة… فالأفضل أن نصمت!

الكثير من أهل غزة -وبحق- غاضبون منّا نحن المتضامنين العرب. وغضبهم مشروع.
نشجع مقاومتهم كما نتابع مسلسلاً أو نتحمس لفريق كرة. نُصفّق عند ظهور “المثلث الأحمر”، ونبكي على مشاهد الشهداء، نضيف موسيقى حزينة، ونشارك صور الأطفال والنساء، ثم نعود لحياتنا وكأن شيئًا لم يكن.
نردد عبارات مثل: “لا نملك سوى الدعاء”، “اللهم سامحنا على عجزنا”، أو حتى “يدافعون عن الأمة بأطفالهم”. نغسل بها ضمائرنا، ونتظاهر بأننا معهم.


ربما لمدة ما، تغاضى أهل غزة عن ذلك، لعلمهم بقلة حيلة شعوب دول الجوار.

لكن اليوم، فاض بكثير منهم الكيل، فانزعجنا! ماهذا، أتراهم بشرا مثلنا. لا! نحن لا نريدهم بشرًا. نريدهم أبطالاً خارقين، وضحايا مساكين يقدمون لنا مشاهد البطولة والصمود كي نستنشق منها جرعة أدرينالين تبث بعض الحياة في واقعنا البائس.
كما عبرت ناشطة من غزة، نريد أن نصل من خلالهم إلى “أورغازم الصمود”.

خرج كثير منهم بمظاهرات، يطالبون بالحياة، بوضوح وصدق. لو حدث ذلك في أي مكان آخر، لصفقنا وشجعنا. لكن أهل غزة؟ لا يحق لهم المطالبة بالحياة. نحن نريدهم شهداء، نريدهم صامدين فقط. أو الأسوء، أن يحاربوا “نيابة عنا”، حتى يكونوا بدماء أطفالهم الزكية الطيبة البريئة، سدا بين انهيار القضية، وبين إسرائيل، وبيننا!!


رسام كاريكاتور (لا أعرفه) اختصر الموقف برسمة ذكية: فتاة بالكوفية تبكي وتقول: “متضامنون حتى آخر شهيد”. يرد غزّي منهك: “بدنا نعيش، مش نستشهد”. فتثور عليه وتسبّه.

في هذه الأيام، يتضح لنا أننا -بإرادتنا- اخترنا التضامن خلف الشاشات. لا نشارك، لا نُحمّل دولنا مسؤولية، ولا نتحرك فعليًا. نكتفي بالقول: “غزة يجب أن تقاوم!”، “غزة لا تستسلم!”، “غزة لا تلقي السلاح!”، بينما- حتى المعارضون منا- باتوا يرون أن دولنا “فعلت ما تستطيع”، وأننا “نريد أن نعيش”، فما يمكن تقديمه أكثر من ذلك؟ (ولا تسألوني ماهو ذلك).

لن أنافق، وأقوم أنا بدوري وأنا بأمان كبير في الولايات المتحدة، ومعي نشطاء أوروبا واسطنبول والدوحة، بالمطالبة من شعوبنا أن تحارب وتصمد هي بدورها، لنشجعها نحن بدورنا من خلف الشاشات. نبرّر لأنفسنا بأننا “سنلحق بهم لاحقًا”.
اليوم، يبدو أن قطاعًا واسعًا من الشعوب العربية لم يعُد راغبًا في محاربة إسرائيل. حسنا، الخوف مشروع. فإسرائيل وحش لا يرحم. لكن، إن كان الوضع كذلك، بأي وجه نطلب من حكوماتنا أن تُرضي إسرائيل أو تلتزم الصمت، ونرضى بدورها “في حفظ الأمن والاتسقرار” ثم نطلب من أهل غزة أن يصمدوا وحدهم، وهم محاصرون من كل الجهات؟
حتى حركات التحرر التي نفاخر بها — الجزائر، فيتنام — لم تُحاصرها دول الجوار، بل دعمتها. الجزائر دعمتها تونس والمغرب. فيتنام دعمتها الصين والاتحاد السوفيتي. لم يُتركوا وحدهم كما تُترك غزة.


كتابة هذا النص تؤلمني. كان أريح أخلاقيًا أن أواصل على طريقتي السابقة، أن أقول: “أنا مع المقاومة حتى آخر امرأة ورجل”، فأحصل على التصفيق، أو اللايكات والقلوب، وأتلقى كلمات “ثابتة على المبدأ”.
كم من السهل أن أوبخ الجمهور العربي من خلف الشاشة، أن أطلب منهم أن يتظاهروا، أن يصمدوا، أن يحاربوا، أن يصعدوا، وأنا أعتلي منصة أخلاقية تسمى شاشة الأيفون.
قد يقول البعض إن هذا دورنا كنشطاء وكتّاب.ولكن لا يعقل أن يكون هذا دورنا نحن نشطاء وكتاب الخارج، إذ لم نعد نسمع أصوات تدق طبول الحرب -أو حتى حراك حقيقي-  أو تصعيد حقيقي وفعال من الداخل؟
فما الحل إذًا؟ هل نُسلم بالهزيمة؟
أتمنى ألا يكون هذا النص تنظيرًا للهزيمة، بل دعوة لرؤية أوضح.


إننا نحن — نشطاء وجمهور الداخل والخارج — إن صفقنا للمقاومة وطبّلنا لها، في هذا الوقت، دون أن نطالب دولنا بتحرك فعّال، على الأقل يضغط على إسرائيل ضغطا حقيقيا، يجعلها تعيد حساباتها، من الدوحة إلى عمان إلى القاهرة، فإننا نخادع أهل غزة. شفاهنا معهم، أما سيوفنا فساكنة في أغمادها. وهذا تشجيع يُضلل المقاوم ويسمن لحم المسالم.


تظهر غزة بأن لها جمهورًا حقيقيًا يسندها، سيقاتل معه ظهرا بظهر وكتف بكتف إذا ما تغير هذا الحاكم أو ذاك. لتتكشف في النهاية أننا في الحقيقة نرتدي البيجاما، وأن القضية، والمقاومة، وحتى الإبادة، ليست لنا إلا حلقات مسلسل أو مباراة، نحجز لها مكانًا بين “بي إن سبورت” تارة، و”نتفلكس” و”شاهد” تارة أخرى، ونحن على السرير قبل أن نغفو في سبات عميق آخر كل حلقة، حتى نتابع ما فاتنا من مجازر عند مطلع الفجر الجديد.

 

شارك

مقالات ذات صلة