سياسة

الأحزاب في سوريا.. نقاط يجب أن توضع على الأحرف

أبريل 17, 2025

الأحزاب في سوريا.. نقاط يجب أن توضع على الأحرف

تجاوزت سوريا المئة عام منذ بداية الحياة الحزبية فيها، وإذا نظرنا إلى تاريخ الشرق الأوسط عموماً، والوطن العربي خصوصاً، نلاحظ أن سوريا كانت من أوائل الدول التي شهدت نشاطاً حزبياً ملموساً. ورغم أنها من أكثر الدول العربية التي عرفت فترات من الانفتاح السياسي، وتعدد الأحزاب، وتغييرات متكررة في الحكم، إلا أنها لم تنجح في الحفاظ على حياة سياسية مستقرة أو فعالة. فمنذ الانقلاب العسكري الأول بقيادة حسني الزعيم، وما تبعه من سلسلة انقلابات، وصولاً إلى انقلاب حزب البعث، دخلت البلاد مرحلة من الاستبداد السياسي، فرض هذا الواقع على السوريين عزوفاً قسرياً عن السياسة، ونفوراً من الأحزاب، خوفاً من الملاحقة أو الإقصاء أو حتى فقدان لقمة العيش.

 


اليوم، ومع التغيرات التي طرأت على المشهد السوري، وسقوط هيمنة الحزب الواحد، يبدو أن سوريا أمام لحظة مفصلية، يمكن من خلالها إعادة بناء الحياة السياسية على أسس جديدة. ما نحتاجه هو أن نعيد تركيب العلاقة بين الشعب والأحزاب، أي أن نضع “نقاط الشعب على حروف الأحزاب”، لننتج لغة سياسية متزنة، تنطلق من قاعدة أساسية اسمها “الوطنية السورية”. ولتحقيق ذلك، لا بد من النظر إلى تاريخ الأحزاب في سوريا، لتحديد أهم تحولاته ونقاط ارتكازه، لنفهم ما الذي نحتاجه اليوم من الأحزاب السياسية، وما الدور الذي يجب أن تلعبه في المستقبل.

 

 

طبيعة الأحزاب في سوريا

 

للوقوف على أي فكرة أو ظاهرة، لا بد من تحليل الظروف التي أدت إلى نشأتها. وعند التأمل في نشأة الأحزاب السياسية في سوريا، يتضح أن معظمها نشأ في سياق مقاومة الاحتلالات الأجنبية. هذا النشوء النضالي جعل من تلك الأحزاب أدوات مقاومة أكثر من كونها مشاريع سياسية شاملة، فلم تحمل في بداياتها برامج ثقافية أو خدمية أو حقوقية أو حتى سياسية واضحة. واللافت أن معظم تلك الأحزاب، في بداياتها، تبنت تسميات تعبّر عن هوية وطنية سورية جامعة، بعيداً عن الانقسامات الطائفية أو العرقية، وهو ما يعكس روحاً وطنية كانت سائدة آنذاك.

 

 

لكن، مع حصول البلاد على الاستقلال، بدأت مرحلة جديدة تغيرت فيها ملامح الحياة الحزبية، إذ دخلت الأحزاب في صراعات داخل مؤسسة الجيش، كما سعى كل منها إلى استقطاب كبار الضباط لخدمة مصالحها، الأمر الذي مهّد لانطلاق سلسلة من الانقلابات العسكرية، والتي كانت سوريا أول من شهدها في المنطقة.

 


هذا الواقع يبرز حقيقة مهمة: أن الأحزاب السورية، التي تشكلت كردة فعل على الاستعمار، لم تكن مهيأة فعلاً لإدارة الدولة في مرحلة ما بعد الاستقلال. ورغم وجود شخصيات سياسية بارزة داخل تلك الأحزاب، فإنها سرعان ما وقعت في فخ الاستبداد، منذ اللحظة التي أُقصيت فيها صناديق الاقتراع بقوة السلاح، وذلك لأنها، في الأصل، لم تعمل على ترسيخ ثقافة الديمقراطية أو الدفاع عن نتائج الانتخابات كحق شعبي، بل كانت تفتقر إلى مشروع مدني واضح يؤمن بالشعب كمصدر للشرعية.

 

 

الأحزاب في سوريا الجديدة “نظرة مستقبلية ضرورية”

 

اضطر ملايين السوريين إلى اللجوء إلى دول أخرى خلال سنوات الثورة، حيث عايشوا عن قرب تجارب حزبية وسياسية متنوعة في بيئات مختلفة عن واقعهم السابق. تلك التجارب منحتهم رؤى جديدة وغير تقليدية حول دور الأحزاب وبرامجها وآليات عملها. ومن هنا، بات من الضروري أن تؤخذ هذه المتغيرات بعين الاعتبار في تشكيل المشهد الحزبي السوري الجديد.

 


إذ لم يعد مقبولاً أن تعود الأحزاب إلى أنماطها الاعتيادية القديمة، فالمطلوب اليوم هو أحزاب حديثة تعبّر عن وعي السوريين المتجدد، وتطرح برامج واقعية متطورة تتناسب مع طموحاتهم وتجاربهم المختلفة في الداخل والخارج.

 

 

صحيح بأن سوريا اليوم تشهد حالة من الانفتاح السياسي النسبي، إلا أن هذا الانفتاح ما زال بعيداً عن الوصول إلى بنية تنظيمية متكاملة. وعندما نتحدث عن بنية تنظيمية، فإننا نقصد بذلك وجود أحزاب وتيارات سياسية مرخصة بشكل قانوني وفاعل. الجميع اليوم يترقب صدور دستور جديد يعكس التنوع السياسي والاجتماعي في البلاد، ويتضمن قانوناً للأحزاب يرسم خارطة طريق واضحة نحو حياة سياسية حقيقية.

 

 

في هذا السياق، تبدو الحاجة ملحة إلى وضع رؤية مستقبلية واضحة تحدد متطلبات المرحلة القادمة بعد عقود من الاستبداد والقمع والإقصاء. من أبرز هذه المتطلبات ضرورة وجود برامج حزبية متكاملة ومتنوعة تراعي الخصوصيات الجغرافية للمناطق السورية، وتستجيب لحاجاتها التنموية والاجتماعية، وتعمل على تحقيق التوافق بين مختلف مكوناتها، خاصة بعد سنوات الحرب التي أرهقت البلاد والناس.

 


وبناءً على ذلك، يمكن القول إن القاعدة المشتركة التي يجب أن تنطلق منها أي حياة حزبية مستقبلية تتمثل في تعزيز الهوية الوطنية الجامعة، والانطلاق من برامج تنموية حقيقية تشمل القطاعات الاقتصادية والزراعية والصناعية والخدمية، باعتبارها الأولويات الأساسية التي يحتاجها السوريون اليوم.

 

 

تجارب يمكن الاستفادة منها في الحالة السورية

 

عند النظر إلى تجارب يمكن الاستفادة منها، يبرز لدينا العديد من الأمثلة، ولكن، من أهمها وبالنظر إلى الظروف المشابهة، تبرز تجربة حزب العدالة والتنمية في تركيا، حيث نجح هذا الحزب في تعزيز الاستقرار السياسي، وتحقيق نمو اقتصادي كبير، مع الحفاظ على التعددية الحزبية واحترام الإرادة الشعبية عبر صناديق الاقتراع.

 


استطاع الحزب أن يقدّم نموذجًا لحزب سياسي وطني يجمع بين الأصالة والمعاصرة، ويركّز على التنمية وخدمة المواطن، وهي تجربة يمكن الاستفادة من دروسها وآلياتها التنظيمية عند التفكير بمستقبل الحياة الحزبية في سوريا.

 


ما تحتاجه سوريا اليوم، بعد عقود من القمع السياسي والفشل الاقتصادي والإقصاء الديني، يمكن أن نستلهمه من خلال تجربة العدالة والتنمية التي استطاعت المزج بين الهوية الوطنية والدينية.

شارك

مقالات ذات صلة