آراء
مقدمة
في زمن تتوالى فيه أحداث العنف والدمار في غزة، تقف الصحافة الحرة في وجه الظلم، وتروي قصة الواقع المأساوي. وبينما تتصاعد الهجمات العسكرية من الاحتلال، يواصل الصحفيون تحدي آلة الحرب بتوثيق كل لحظة من معاناة شعبهم، محولين الكلمة إلى سلاح لا يقل تأثيراً عن أي قذيفة. لقد أصبحت الصحافة في غزة أداة للمقاومة، تعبر عن الثبات الفلسطيني، وتوثق جرائم الاحتلال أمام العالم.
أهمية الصحافة
الصحافة هي نافذة العالم على الأحداث. وفي زمننا الحالي، أصبحت وسائل الإعلام هي القناة الرئيسية التي تعكس الواقع المرير لشعوب عانت طويلًا من التهميش والعنف. ومن هنا، تظهر أهمية الصحافة كأداة أساسية لنقل الحقيقة، ليس فقط للأجيال الحالية، ولكن للأجيال القادمة التي قد تكون أضعف في مواجهة محو الذاكرة الجماعية، إذ أننا نعيش اليوم معارك حول الذاكرة.
الصحافة في غزة، رغم التحديات الكبيرة التي تواجهها، أصبحت الوسيلة الوحيدة التي تمكّن أهل غزة من إيصال صوتهم إلى العالم. فهي ليست مجرد عملية نقل للأخبار، بل عملية نضال حقيقية تمارسها الكاميرات وأقلام الصحفيين الذين لا يكتفون بالكشف عن الحقائق، بل يسعون إلى خلق حالة من الوعي والتضامن مع قضيتهم.
الصحافة في حرب فيتنام
على مر العصور، كانت الحروب تشهد قوى إعلامية تكافح لإيصال رسائلها خلال أصعب الظروف. خلال الحروب الكبرى في القرن العشرين، كانت الصحافة تتحمل مسؤولية غير عادية، إذ كانت شاهدة على الفظائع التي ارتكبتها الدول الكبرى، وتوثق مقاومة الشعوب المحتلة.
لاحظ حرب فيتنام والولايات المتحدة الأمريكية ١٩٥٥-١٩٧٥، والتي كشفت فيها الصحافة عن الواقع المؤلم في فيتنام، وقد كان للصحفيون دوراً في ذلك. منهم “مالكولم براون”الذي قلب الرأي العام الأمريكي وجعل الناس تعترض على هذه الحرب.
وفي فلسطين، ومع نشوب الاحتلال الإسرائيلي، كانت الصحافة أحد أبرز سبل النضال والمقاومة ضد الاحتلال. منذ بداية النكبة الفلسطينية، كانت الصحافة عنصراً حيوياً في نقل معاناة الفلسطينيين في وجه الاحتلال. الصحف والمجلات ظهرت في ظروف صعبة، وكانت تعكس هموم الشعب وأمله في التحرر.
الصحفيون في غزة
لم يتوقف دور الصحافة عند كونها وسيلة نقل للأخبار فقط، بل أضحت وسيلة للتمسك بالحقائق وتوثيق الجرائم التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني. الصحفيون الغزيون استطاعوا أن يصبحوا الشهود الأوائل على المجازر، وقاموا بتوثيقها رغم كل المخاطر، وكتبوا التاريخ بذلك.
العديد من الصحفيين وثقوا وجرائم الحرب بحق المدنيين، من خلال الفيديوهات والصور والتقارير، ولا يستطيع الاحتلال دفنها مهما حاول. هؤلاء الصحفيون جزء رئيسي من الحركة الثقافية والنضالية التي تسعى لتعزيز الوعي العالمي بالقضية الفلسطينية.
من خلال مقاطع الفيديو، والتقارير الصحفية، والشهادات الحية، يتشكل التصور العالمي عن الحقائق التي يُحاول الكيان طمسها. الصحافة في غزة تمثل جسراً بين العواصم العالمية والواقع الذي يعيش فيه أهل غزة.
التوثيق الصحفي الذي يقوم به الصحفيون في غزة لا يعد فقط شهادة حية على الجرائم التي تحدث في لحظتها، بل هو حجر الزاوية في بناء ملفات المحاكمة ضد الاحتلال في المستقبل.
رغم المخاطر اليومية التي يواجهونها، بما في ذلك الاستهداف المباشر ضدهم، لا يزال الصحفيون في غزة يواصلون عملهم دون تردد. هذه التضحية الكبرى تضعهم في قلب المواجهة، ويشكلون بذلك ركيزة أساسية في نقل معاناة الشعب الفلسطيني للعالم، وهم جزء أساسي من قلب الرأي العالمي ضد الكيان.
حرب الكيان على الصحافة
في السنوات الأخيرة، واجهت الصحافة الحرة في غزة تحديات متزايدة، حيث لم تقتصر الحرب على المدنيين فقط، بل شملت الصحافة بشكل مباشر. لطالما كان الاحتلال يتبنى سياسة القمع الإعلامي، من خلال استهداف الصحفيين، واعتقالهم، بل وقتلهم. هذه الحرب المستمرة على الصحافة تهدف إلى تقويض قدرتها على نقل الحقائق بشكل مستقل.
إن حرية الصحافة في غزة تواجه اليوم تحديات عدة، تتضمن تدمير البنية التحتية للصحافة، وتوجيه الهجمات الجوية على مكاتب الإعلام والصحفيين، وفرض الحظر على التقارير التي يتم نشرها. لكن رغم هذه الحرب الإعلامية الممنهجة، يبقى الصحفيون الغزيون في المقدمة، ينقلون رسالتهم للناس، ليحاربوا بمقالاتهم وفيديوهاتهم كل محاولات التعتيم.
الصحافة في غزة تتعرض لأصناف من الهجوم، فهي صوت الحق الذي يكشف الجرائم ويتمنى الاحتلال إسكاته. إن التضامن العالمي مع الصحافة الحرة هو خطوة حاسمة في دعم قضية فلسطين على جميع الأصعدة.
خاتمة
يظل الصحفيون في غزة هم القوة التي تسجل كل لحظة في تاريخ القضية الفلسطينية. ورغم المحن والصعاب التي يواجهونها، فإنهم يشكلون العنصر الأساسي في توثيق الإجرام، ويمنحون العالم فرصة لرؤية الحقيقة على أرض الواقع. الصحافة في غزة هي سلاح لا يقل قوة عن أي سلاح آخر في معركة البقاء والتوثيق، وتظل شاهداً حياً على عزم الشعب الفلسطيني في مواجهة قوى الظلم.