ثقافة

فرنسا وسياسة الانتداب: من تقسيم سوريا إلى إرث الانقسامات خلال الحرب العالمية الأولى

أبريل 7, 2025

فرنسا وسياسة الانتداب: من تقسيم سوريا إلى إرث الانقسامات خلال الحرب العالمية الأولى

عصام يزبك



اتفقت بريطانيا وفرنسا على تقسيم ممتلكات الدولة العثمانية في الشرق الأوسط، حيث حصلت بريطانيا على العراق وفلسطين وشرق الأردن، بينما كانت سوريا ولبنان وقليقية من نصيب فرنسا. في هذا السياق، أنشأت فرنسا “جيش المشرق” عام 1919، وهو قوة عسكرية أُرسلت إلى بلاد الشام بعد هزيمة الدولة العثمانية وتوقيع اتفاقية سايكس بيكو في عام 1916. 


وفقًا لمؤرخين مثل ستيفن هامسلي لونغريغ، مُنحت فرنسا رسميًا حق الانتداب على سوريا ولبنان خلال مؤتمر سان ريمو في نيسان/أبريل 1920. ومع إدراكها لمعارضة الأغلبية السنية لتطلعاتها، اتبعت فرنسا سياسة تقسيم سوريا إلى خمس دويلات على أسس طائفية، لضمان السيطرة والاستفادة من الانقسامات المجتمعية. وفي تموز/يوليو 1920، قدّم الجنرال الفرنسي هنري غورو إنذارًا لحكومة الملك فيصل والمؤتمر السوري، مُطالبًا بتسريح الجيش العربي، وقبول الانتداب، والتنازل عن السيادة في مجالات عدة. وعلى الرغم من موافقة الملك فيصل، رفض وزير الحربية يوسف العظمة هذا الاستسلام، وقاد مواجهة انتهت بمعركة ميسلون واستشهاده، ما ساهم في تعزيز الاحتلال الفرنسي.


اتبعت فرنسا استراتيجية “فرّق تسد”، وحرصت على تعزيز الانقسامات الطائفية عبر تأسيس دويلات مثل دولة دمشق وحلب والدروز والعلويين ولبنان الكبير، وهو ما ساعد على إثارة النزعات الانفصالية وإضعاف الروح الوطنية. كما استغلت السلطة الانتدابية دراسات عن الأقليات لتعزيز السيطرة العسكرية والسياسية، وجنّدت أفرادًا من الطوائف المختلفة في “جيش المشرق” لتحقيق مصالحها الاستعمارية. هذا الجيش، الذي كان بمثابة العمود الفقري للإدارة العسكرية الفرنسية، تضمن وحدات متعددة من جنود محليين وأفارقة، مع تفضيل واضح لتجنيد الأقليات مثل العلويين والدروز والشركس. وقد صرّح الجنرال الفرنسي هنتسيغر، في عام 1935، أن العلويين والدروز يمثلون “الأعراق الحربية” التي يعتمد عليها الجيش في تشكيل فرق خاصة. 


استمر الاحتلال الفرنسي في استغلال هذه السياسات العسكرية والطائفية حتى نهاية الانتداب، مُكرسًا مصالحه الاقتصادية والسياسية في المنطقة. ومع ذلك، لم تفلح هذه السياسات في تحقيق الاستقرار طويل الأمد، وإنما خلفت إرثًا من الانقسامات والتوترات التي أثّرت على سوريا لعقود لاحقة. ولكن بحسب المؤرخ الألماني ستيفان وينتر في كتابه “تاريخ العلويين: من حلب القرون الوسطى إلى الجمهورية التركية”، فإن فريقا آخر رفض تصرف أبناء طائفتهم المطالبين بالانفصال، وأرسل إلى المسؤولين الفرنسيين بعد شهر في يوليو/تموز من يعبرون عن استنكارهم الشديد لاستمرار ممارسات التلاعب والدكتاتورية من قِبل حاكم منطقة العلويين الفرنسي أرنست شلوفير وغيره من المسؤولين. 


مهما يكن وكما مر بنا، فقد قصد الفرنسيون أن يتكون جيش المشرق في أغلبه من أبناء الأقليات والطوائف الدينية، وخاصة الجوقة السورية والكتائب الخاصة التي كان أغلبها من العلويين والدروز والشركس وغيرهم، الأمر الذي كان له تأثيره الضخم في شكل الجيش السوري ومسيرته وكثرة الانقلابات العسكرية فيه بعد الاستقلال، وما آل إليه الأمر من استيلاء آل الأسد العلويين على السلطة طوال أكثر من نصف قرن فيما بعد.


شارك

مقالات ذات صلة