مدونات

غزة.. مأساة إنسانية في مواجهة الوحشية الإسرائيلية

أبريل 5, 2025

غزة.. مأساة إنسانية في مواجهة الوحشية الإسرائيلية

للكاتب: عبد الرحمن حسنيوي


منذ السابع من أكتوبر 2023، دخلت غزة في مرحلة جديدة من الموت، والدمار، والإبادة… فالاحتلال الإسرائيلي لا يتوقف عن استهداف المدنيين الفلسطينيين في القطاع المحاصر، في حربٍ بلا رحمة، تقوض كل جوانب الحياة الإنسانية في تلك البقعة الصغيرة من الأرض. هذه الحرب التي تتكرر فصولها مع كل تصعيد، تعكس الوحشية التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي في ظل صمت المجتمع الدولي، وتكشف عن حجم المأساة التي يعيشها الشعب الفلسطيني في غزة.

تأتي تصريحات رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، التي أكد فيها أن الجيش الإسرائيلي يقوم بتجزئة قطاع غزة والسيطرة على المزيد من الأراضي فيه، لتثبت أن الهدف من هذا التصعيد العسكري ليس فقط الضغط على حركة حماس كما تدعي إسرائيل، بل هو تدمير كل شيء في غزة. كما قال نتنياهو إن الجيش الإسرائيلي “يسيطر على أراضٍ ويضرب الإرهابيين”، لكنه نسي أن من بين هؤلاء “الإرهابيين” هناك آلاف من المدنيين الفلسطينيين الذين يُقتلون يومًا بعد يوم جراء الغارات الجوية التي لا تميز بين طفل أو شيخ أو امرأة، ولا حتى الشجر والحجر…


في هذا السياق، يمكن القول إن العمليات العسكرية التي تقودها إسرائيل هي عمليات ممنهجة لقتل الأبرياء وتدمير حياتهم من أجل تحقيق مكاسب سياسية في الداخل الإسرائيلي. ما يلفت النظر في هذه الحرب هو التصعيد العسكري الذي لا يبدو له حدود، فالقصف الإسرائيلي المتواصل على القطاع المحاصر أدى إلى مقتل أكثر من 50,423، وبلغت الإصابات نحو 114,638، معظمهم أطفال ونساء. كما تواصلت الغارات الجوية في شمال غزة وفي مناطق أخرى، واستهدفت المنازل والمستشفيات والمدارس… في إحدى الغارات قصف الطيران الإسرائيلي مبنى تابعًا لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، حيث كانت مئات العائلات الفلسطينية قد لجأت إليه هربًا من الحرب.


لكن ما هو أكثر إيلامًا من ذلك هو الأسئلة التي تُثار يومًا بعد يوم في غزة: أين المجتمع الدولي؟ أين الأمم المتحدة؟ لماذا لا يتحرك العالم لوقف هذه المجزرة الوحشية؟ كيف يمكن للعالم أن يُغمض عينيه عن القصف المتواصل على المدنيين، وعن تدمير المنشآت الطبية التي كانت تقدم خدمات طبية للجرحى؟ أين حقوق الإنسان؟ أين تلك المبادئ التي يتغنى بها المجتمع الدولي حول العدالة الإنسانية؟ كيف يمكن له أن يبرر صمته أمام ممارسات الاحتلال التي تتجاوز كل الحدود؟

وفيما يزداد عدد الشهداء في غزة، تعلن إسرائيل عن استمرار عملياتها العسكرية لتوسيع ما يسمى بـ”المنطقة الأمنية”، وهو مصطلح يهدف إلى إضفاء شرعية على الحصار والتدمير المستمر لمناطق واسعة من القطاع. كما أن الحكومة الإسرائيلية المتطرفة لا تكتفي بالقصف المستمر، بل تحاول تجزئة القطاع بهدف فرض السيطرة الكاملة على مناطق جديدة، وإذا كانت النية تتجه نحو “طرد حماس”، كما أشار بعض المسؤولين الإسرائيليين، فإن هذه المبررات تأتي على حساب أرواح المدنيين، إذ كيف يمكن تبرير قتل الأبرياء لمجرد تدمير البنية التحتية العسكرية لحركة حماس؟ إن هذا لا يعدو كونه انتقامًا عميقًا ضد الشعب الفلسطيني بأسره، وليس ضد من وصفهم الاحتلال بـ”الإرهابيين”.


الجانب الإنساني في هذه الحرب يكاد يكون غائبًا تمامًا، وفي وقت تشهد فيه غزة مذبحة يومية، يعاني السكان من أزمة إنسانية خانقة جراء نقص الغذاء والماء والدواء. هذا ما يؤكده محمود شيخ خليل، وهو أحد سكان غزة، حيث يشير إلى الوضع الصعب الذي يعيشه سكان القطاع قائلًا: “لا يوجد طحين، لا خبز، لا طعام، لا ماء…”، هذه الكلمات هي صرخة يائسة من بين جدران غزة المحاصرة، التي لا تكاد تترك لهم أي فسحة أمل للنجاة.


أما من جانب آخر، فإن المعاناة الإنسانية تتزايد يومًا بعد يوم في ظل الغياب الكامل للمساعدات الإنسانية. فمنذ بداية حرب الإبادة مرة أخرى بعد الهدنة، أغلقت بعض الأفران أبوابها بسبب نقص الطحين، وباتت المستشفيات والمراكز الطبية في القطاع غير قادرة على استقبال الجرحى بسبب القصف المستمر. السؤال الذي يطرح نفسه: كيف يمكن أن تبرر إسرائيل هذه التصرفات التي تتجاوز كل القوانين الدولية؟ وكيف يمكن للعالم أن يقف مكتوف الأيدي في وجه هذه الوحشية؟

وعلى الرغم من كل ما سبق، يظل العالم العربي والعالمي يُصرّ على الصمت أمام هذه المجزرة. لا نرى تحركًا حقيقيًا من الدول الكبرى في الأمم المتحدة لفرض عقوبات على إسرائيل، ولا نرى تحركًا قويًا من قبل الدول العربية والإسلامية لوقف العدوان. وعلى الرغم من أن هناك بيانات إدانة تصدر بين الحين والآخر، إلا أنها تظل مجرد تصريحات لا تؤثر بشكل حقيقي على الأرض.


الأكثر صدمة في هذه الحرب هو استمرار إسرائيل في ارتكاب الجرائم دون خوف من أي عقاب. ففي وقت يدّعي فيه المسؤولون الإسرائيليون بأنهم يسعون للقضاء على “الإرهابيين”، لا يعترفون بحجم الجرائم الإنسانية التي يرتكبونها ضد الشعب الفلسطيني. هذا التصعيد العسكري الإسرائيلي ليس حربًا ضد حركة حماس فقط، بل هو حرب شاملة ضد الفلسطينيين جميعًا، حرب تستهدف الإنسان الفلسطيني في كرامته وحياته.


في الختام، تظل غزة مكانًا يعكس مأساة إنسانية بلا حدود، والحقيقة الوحيدة التي لا يمكن تجاهلها هي أن هذه الحرب ليست مجرد مواجهة بين قوتين عسكريتين، بل هي حرب ضد الإنسانية، ضد الأبرياء، ضد كل القيم والمبادئ التي يدّعي العالم احترامها، ولا يمكن للفلسطينيين أن يعيشوا في هذا الوضع المأساوي إلى الأبد، لذلك يجب على المجتمع الدولي التحرك لوقف هذا العدوان، الذي سيؤدي إلى إبادة جيل كامل من الشعب الفلسطيني.

شارك

مقالات ذات صلة