مدونات

الآكلون بألسنتهم وأقلامهم على موائد الجنجويد!

أبريل 4, 2025

الآكلون بألسنتهم وأقلامهم على موائد الجنجويد!

بقلم: محمد أحمد الجاك


الأحداث الكبرى التي تعيشها الأمة السودانية، رغم قسوتها وشدتها والآثار المادية التي تنتج عنها، إلا أنها كاشفة كذلك عمن يعيش وفي خاطره وقلبه قضايا أمته، ومن يعيش وجنسه وجسده سوداني، لكن العقل والقلب مع العدو، سواء كان العدو داخلياً أو جنجويدياً أو مرتزقة غزاة. ولو لم تأتِ أحداث الحرب في السودان، لانطلى على كثير من الناس ما كان يطنطن به هؤلاء من حديث حول قضايا تتعلق بالحريات والديمقراطية الكاذبة.

كثيراً ما يتساءل الناس: لماذا تبدو هذه الظاهرة في لحظات ضعف أمتنا السودانية، وتظهر بشكل فج في وقت تكون فيه الأمة أحوج ما تكون لكل صوت يدعم قضيتها، فإذا بهم يطعنون جيشهم والمقاومين للعدوان والغزو من الأحرار والشرفاء الذين سكبوا الدماء وضحوا بالأرواح، والرافضين للظلم والظلمة، فنجدهم مع العدو والظلم، وضد الحق وأمتهم السودانية، وإن بدوا أمام الناس أنهم منا، يتحدثون بألسنتنا، وألوانهم كألواننا!


مصداقٌ لنبوة محمد ﷺ

والحقيقة أن هذه الظاهرة حين نراها، فهي تزيدنا إيماناً بقرآننا وسنة نبينا ﷺ، فقد أخبرنا الوحي بهذه الظاهرة، وأنها ستوجد في الحياة. وهؤلاء الأشخاص الذين يأكلون بألسنتهم وأقلامهم على موائد العدو الداخلي والخارجي، هم مصداق لنبوة محمد ﷺ، والذي ذكرت بعض أحاديثه الشريفة أوصاف هؤلاء، ونعتهم، وتفاصيل دقيقة لأفعالهم ومناهجهم، بل شبهتهم تشبيهات غاية في البلاغة والوصف.

ورد في تشبيه الذين يأكلون بألسنتهم وأقلامهم بالباطل على مائدة العدو والظالم والمحتل، حديثان مهمان. أما الأول، فقوله ﷺ: لا تقوم الساعة حتى يخرج قوم يأكلون بألسنتهم؛ كما تأكل البقر بألسنتها. يقول العلماء عن سر هذا التشبيه بالبقر في طريقة أكلها: كما أن البقر تأكل الحشيش من كل نوع ولا تميز بين النافع والضار، فكذلك هؤلاء لا يبالون بما يقولون من كلامهم.

وقيل: إن البقرة كما لا تهتدي إلى الكلأ، ولا تتمكن من الاحتشاش إلا بلسانها، فكذلك هؤلاء لا يهتدون إلى المآكل إلا بذلك، لا يميزون بين الحق والباطل، وبين الحلال والحرام، سمَّاعون للكذب أكَّالون للسحت، فوقع ضرب المثل بالبقر عن هذين المعنيين.

وقد ورد الحديث برواية أخرى، فقال ﷺ: إن الله عز وجل يبغض البليغ من الرجال، الذي يتخلل بلسانه، كما تتخلل الباقرة بلسانها. وقال شراح الحديث في معناه أيضاً: إن الله تعالى يبغض البليغ، أي الفصيح، وهو المبالغ في الكلام. وقوله: “الذي يتخلل بلسانه”، أي يأكل بلسانه؛ يعني يدير اللسان حول الأسنان في التكلم تفاصحاً، أي يتشدق في الكلام، ويفخم لسانه، ويلفه كما تلف البقرة الكلأ بلسانها.


دعاة على أبواب جهنم

أما الحديث الآخر، فهو أشد حكماً، وأبلغ وصفاً لما نعيشه الآن من أقلام وأصوات، ظاهرهم أنهم منا، قومية ووطنية ولغة، لكن حقيقة الأمر أنهم على غير ذلك، بل هم سهم في كنانة العدو ضد أمتهم وقضاياها. فقد كان حذيفة بن اليمان رضي الله عنه يسأل عن الشر مخافة أن يقع فيه، وحتى يتجنبه إذا بدا له، فظل يسأل هل بعد هذه المرحلة النبوية بخيرها من حال آخر، فأُخبر بنعم، ثم سأل عن الفتن المختلفة التي تأتي، فأخبره ﷺ عن شريحة من الناس ستأتي أيضاً، تكون من دعاة الشر، سماهم النبي ﷺ بقوله: دعاة إلى أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها. فقال حذيفة: قلت: صفهم لي يا رسول الله؟ قال: هم ‌من ‌جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا.

فهم ليسوا دعاة لحق، ولا مناصرين له، بل يدعون إلى أبواب جهنم، أي كل أبواب الشر والفتن، وكل أبواب الخيانة والعمالة الظاهرة والخفية، يزينونها للناس، تارة بالهجوم على أهل الخير، أو دعاته، وتارة بالدفاع عن العدو. ومما يزين ما يفعلون، أنهم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا، فهم ليسوا غرباء عنا، لا غرباء البدن، ولا غرباء اللسان. بل هم في الظاهر مثلنا، وفي الباطن مخالفون لنا في أمورهم وشؤونهم.

قال العلماء كذلك في معنى قوله ﷺ: “‌من ‌جلدتنا، أي من أنفسنا وعشيرتنا، وقيل: معناه من أهل ملتنا. ويتكلمون بما قال الله تعالى، وقال رسول الله ﷺ، أي بالمواعظ والحكم، وما في قلوبهم شيء من الخير، يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم.


وقد كان الشيخ محمد الغزالي رحمه الله يصف هؤلاء بوصف دقيق، ويطلق عليهم عنواناً معبراً: الإنجليز السُّمْر. فقد كان المحتل الإنجليزي مختلف البشرة عن أهل بلادنا، لكنه قبل أن يرحل عن بلادنا، ترك وكلاء وعملاء له، تختلف بشرتهم عن بشرته، لكن المنهج والهدف والغاية متفقة ومتماهية تماماً معه. فهم استعماريو الهوى، سمر البشرة، كي يكون كلامهم مقنعاً للبسطاء من أبناء الأمة السودانية، فلا بد من قرب البشرة واللسان من الناس، حتى يمرروا ما يقولون.


أليس ما نراه في بعض التصريحات، والمنشورات والتغريدات، وبعض كتاب المقالات وأصحاب الأقلام السودانيين، هو ما تعبر عنه هذه الأحاديث وتحذر منه؟ من قوم يأكلون بألسنتهم وأقلامهم على موائد العدو، وعلى موائد المحتل، أو وكلائه في بلدنا. وهو ما نراه من تنمر مستمر على كل مقاوم ورافض للذل والاحتقار والإذلال. ولذا، لم يعد غريباً أن تطلق الجماهير السودانية الفطنة على مجموعة سياسية فاشلة لفظة السافلة، قوى خائنة مدنية بائسة وفاشلة تحالفت مع العدو وقدمت له الدعم والغطاء السياسي.

الحمد لله وحده، لأن المواقف باتت كاشفة وفاضحة.

شارك

مقالات ذات صلة