تأملات

هل أصبح الفرح ترفًا لا يليق بالأمة الجريحة؟

مارس 31, 2025

هل أصبح الفرح ترفًا لا يليق بالأمة الجريحة؟

مع إشراقة عيد الفطر السعيد، تقف أرواح العرب والمسلمين بين فرحٍ مشروع وحزنٍ مقيم. نعم، نبتسم، لكن خلف الابتسامة جراح كثيرة. نعم، نُقبّل أبناءنا، لكن في القلب لوعة على أبناءٍ في أقطار عربية لا يجدون من يزرع على شفاههم البسمة. ففي غزة، أطفال لا يجدون مأوى، وأسر في السودان مزقتها الحرب، ودموع في الشام والعراق واليمن لم تجف بعد، فهل يحق لنا أن نفرح؟ وهل يُعقل أن نحتفل والعالم من حولنا يشتعل؟

هذا السؤال يتكرر في ضمائر كل الصادقين، وفي كل عيد، وكأنّه اختبار للنية، وامتحان للوعي، وصراع داخلي بين القلب والعقل والعاطفة. لكن الحقيقة التي يغفلها الكثيرون أن الفرح ليس نكرانًا للألم، بل هو مقاومة له، وهو تأكيد على أننا لا نسمح للحزن أن يحتكر المشهد، ولا لليأس أن يستوطن أرواحنا.


الفرح مقاومة لا غفلة

لو عدنا إلى صفحات التاريخ العربي والإسلامي، لرأينا أن المسلمين الأوائل لم تمنعهم الكروب ولا المحن عن الفرحة بالعيد وإظهار البهجة فيه. ففي زمن الحروب الصليبية، كان المسلمون يحتفلون بالعيد في الشام رغم احتلال القدس، ولم تكن أفراحهم بلا ألم، بل كانت ممزوجة بالدمع والدعاء.

وفي عهد المغول، حين اجتاحوا بغداد، ثم تقدموا شرقًا وغربًا، لم تُغلق المساجد في العيد، ولم يُمنع التكبير، لأنهم كانوا يعلمون أن الأمة، وإن ضعفت، فإنها لا تموت.


الفرح إعلان للأمل لا نكران للمعاناة

الفرح في العيد ليس غفلة عن الواقع، بل تعبير عن الإيمان العميق بأن الله سيبدل الأحوال. نحن نبتسم لأننا نؤمن بأن بعد العسر يسرًا، وأن هذا الليل الطويل لن يدوم. العيد، في جوهره، مناسبة لإعلان الأمل وإحياء الهمة، وتجديد الثقة، وتذكير للنفس والأمة بأننا نستحق الحياة، حتى في قلب العاصفة وفي وسط النيران.

نحن لا نفرح لأننا نسينا قضايانا، أو تناسينا الشهداء الذين خطوا بدمائهم حاضرنا، أو غضضنا الطرف عن الأطفال تحت وقع الحروب، بل نحن نفرح لأن هؤلاء هم من يستحقون أن نفرح من أجلهم، وأن نُبقي جذوة الحياة متقدة رغم كل شيء. نفرح وفاءً لمن ضحّى، وأملًا فيمن سيبني مستقبلنا، وإيمانًا بأن هذا الألم ما هو إلا مرحلة ستعبر وتمضي.


الفرح طاقة للنهوض لا ترف مرفوض

التاريخ يخبرنا ويقرر ويؤكد أن الأمم التي تعرف كيف تفرح، حتى في زمن الانكسار، هي وحدها القادرة على النهوض. فالفرح ليس ترفًا، بل طاقة داخلية تعيد بناء التوازن النفسي والروحي للأفراد والمجتمعات.

شارك

مقالات ذات صلة