سياسة

بلاشكلامفارغ.. ويجعله عامر!

مارس 21, 2025

بلاشكلامفارغ.. ويجعله عامر!

أين ذهب الشعب المصري ابن النكتة الحاضر اللاذع، الذي كان يأخذ حقه من الدنيا شتما وتوبيخا؟ ماذا فعلتم به؟ الناس ساكتين! المصريون صامتون عابسون لا ”يخبطون“ نكتة سياسية ولا يهمسون لبعضهم في المجالس ”بيقولك السيسي مرّة…“ الصوت الهامس الرهيب الذي ينتهي بانفجارِ جَمْع بالضَحِك، فتعرف وأنت مار من أمام القهوة والجلسة واللمة أن نكتة ”حراقة“ همسها المحكوم من وراء ظهر الحاكم للتو حققت انتصارا صغيرا معتبرا من وراء ”أجدع شنب“ وعلى الرغم من ”أتخن“ نظام بوليسي ”حويط جدا بسلامته“. فتضحك ولو مارا لتتواطأ في الثأر الماكر الشعبي المتكاتف في صمت. انتصارٌٍ يومي مع سبق الإصرار على الثبات والاستمرار في الاستخفاف بالظلم القائم الجبار، تحت يده الثقيلة ولسانه الثقيل وزبانيته العتاولة بشواربهم الكثيفة وأيديهم الطرشاء وأعينهم الملقاة على الأرض كالعقارب في كل زاوية. حتى هؤلاء كانوا ”يفشون خلقهم“ بضحكة مستترة تحت شارب كبير أظنه أحد أدوات السخرية الحلال من شتيمة الباشا الكبير والصغير والتواطؤ انتصارا على الحاكم الجائر الباطش والتحقق بعيدا عن شتيمة البشوات له بالأم وأعضائها  عليه وعلى ”اللي خلفوه“ ومهما بطش لن ”يطولك“ لأنك ملايين المواطنين الذين صنعوا الانتصار ومرروه واشتركوا في حلاوة طعمه وجميعكم صامتون وعلى وجهكم بقايا ضحك وفي عينيكم دموع الضحك ولن يفتش أحدكم سر أخيه وجميعكم متواطئون وكلهم ”ما عملش حاجة“. ماذا فعلتم بالشعب ”ابن النكتة“؟


”النكتة بنت الللل محتوى“

هل تتشابه النكات الغارقة في المحتوى والترند المتشابهة والمتراصة واللاهثة خلف صنع المال.. أي مال.. وبأي محتوى عن النكتة الرائقة ”بنت الذين“ التي كنا نخترعها ونفنن فيها وقد يضيف كل منا إليها ”حتة“ لتصبح فنا حقيقيا كُمّل كان قصيرا و“حراقا“ ويستوعب الجميع دون إشارات وإيماءات ويمكن حكيُه بعيدا عن المجالس الحرام والسهرات الخاصة الشبقة كان أفضل، فهي نكات بعيدة عن التنمر وسهرات البشوات الصغار ضئيلي الحجم والمقام لا يستعبدون فيها خادما لجلسة ولا فتاة لهتك أعراض.. جلسات بريئة رائقة قد تجد فيها الست أم كلثوم في خلفية المشهد في مقهى أو مسلسل الساعة السابعة والربع في منزل صغير يستر أجيال عائلة تتمدد. نكتة قبل التطبيقات والفلاتر والشاشات الصغيرة الملعونة. قبل أن ينكفيء كل منا في البيت الواحد على متلازمات الرداءة مدفوعة الأجر المنتقاة من تجار الحشيش الجدد؛ تجار ”الكيف“ الرقميين. لما كانت هناك طبالٍ وموائدُ ولم يغب أحد عن الخبز البلدي والعشاء البسيط؛ بقايا الغداء، طبقا من الجبنة  ب“قوطة“ قبل أن تكون الجبن بمليون طعم وفوق القدرة الشرائية والخضروات بعد عشرات السنين من قدومها من الريف طازجة منتقاة أصابتها رداءة حقبة الفساد المؤسسي ف“نابها اللي ناب التسعينيات“ أصابها الحقن بالمبيدات كما أصاب المصريين الكبدي الوبائي والفشل الكلوي وسنوات شرب الصرف الصحي في شبكات الفساد والغرق في عبارات السلام. حتى هذا الشعب كان ينكت. كان يلقي نكتة أكثر وجعا وأعلى سخرية.


شخوص أحمد رجب ومصطفى حسين

الغرفة ٥٣ – دار أخبار اليوم، الاجتماع اليومي لمركز تنفيث طاقة غضب الشعب المصري القارئ لجريدة أخبار اليوم، حينما كانت الجرائد الورقية توزع ١٠٠ ألف نسخة يوميا، لتًقرأ، لا ليُنظّف بها زجاج السيارات أو تُفرش بها موائد بحضور الناس الطيبة أهل الحي؛ حتى هذه استكثروها عليهم، فهبط عليهم الأشرار كالقضاء. ١٠٠٠ شخصية كاريكاتورية ”فشّت خُلق“ الموطنين عقود من الزمن. المصري اليوم قبل عشرية العبوس نشرت مقالا لطيفا عن ذلك. عن نفسي كنت أحب جدا المطرب سيء الحظ وكحيت الموظف الفقير الذي يٌفتي في البورصة وكمبورة الانتهازي، وفي أعوام نفاذ رأس المال للبرلمان وعلى رأسهم جميعا فلاح كفر الهنادوة الذي جلس تحت قدمي مسؤولين كبارا (قصيري الساقين ”متشعلقين“ في الكرسي، ”يفتن“ على الواد ابن ابو سويلم أبو لسان زالف في انتقاداته اللاذعة للحكومة بمنتهى الغلب، ولا يمكن أن أنسى سنوات جلوسه تحت قدمي ”عاطف صدقي ”رئيس الوزراء حين كنا نعرف الوزير بالاسم. حتى التوريث وبعد حقبة مبارك كتب ورسم عنه المبدعان (وأعرف ما ستقولون) ”ولعل من بين القضايا، التي انتقدها الفلاح الفصيح، الواسطة والتوريث، فقد تبادل الحديث مع مبارك ذاته، بقوله: «يا ريس.. أنا بعت قيراط الأرض اللي حيلتي عشان أوظف الواد ومتوظفش»، ليرد عليه مبارك: «ده أنت مصيبتك هينة.. ده أنا بعت مصر كلها عشان أوظف جمال ومتوظفش».“ هذا نص المصري اليوم. طبعا لا مجال هنا للحديث عن عبوس الزميلين لأسباب لا مجال لها في المقال. على كل.. عبس العملاقان أو تغير الهامش لا فارق، النتيجة واحدة.. حُرمنا نحن من هذا الهامش الذي كنا نهش لها أول ما ينتهي أبوانا من تصفح جريدة الأخبار بينما نقرأ ما نتابعه في الأهرام بعجلة، وأحيانا كانوا يماطلون فنجلس على ركبتينا بشغف ننظر بتعجب ودهشة وابتسام للرسم الجديد والنكتة اللاذعة لأحمد رجب ومصطفى حسين ونرى كيف صور عاطف صدقي وصفوت الشريف ود. أحمد فتحي سرور، وغيرهم. أيام ما كانت الصحف أهرام أخبار جمهورية! والمجلات صباح الخير المصور آخر ساعة روز اليوسف!


صلاح جاهين

أخاف أن أكتب عن صلاح جاهين وحده فأغبن كبارا وعظاما من رسامي وممثلي ”النقرزة“ في جيله من فناني الكاريكاتور والمبدعين. ما ابتسمت له فعلا هو أن “اليوم السابع ”عنونت موضوعا جيدا عام ٢٠١٥ في الواقع “تعيشى يا ضحكة مصر فى 50 عاما.. أشهر أعمال ٨ من أكبر رسامى الكاريكاتير ترجموا ضحك المصريين“ – عنوان مجتزأ مضلل- لكن ما علينا..  يعود العنوان لليوم السابع”صلاح جاهين طفل متعدد المواهب.. “حجازى” عبقرية البساطة.. “بهجت” اكتشاف البهجة من المرارة.. مصطفى حسين طلقة ضحك“.

بصرف النظر عن مواربة العنوان. لكني أدرك جيدا التفاف الموضوع على الحقيقة، ولو أنه عُرض اليوم حتى بنفس العنوان اللئيم وبنفس المتن لما نُشر. السقف المرعوب صار أقل ارتفاعا ومنكفئا. على كل جزء من المتن لفت نظري؛ ” الرسومات تقول لنا عن قضايانا لم تختلف كثيرا، وأيضا تخبرنا بأن الشعب المصرى يستمر فى حياته ينتقد ويسخر ويعيش ويواصل حياته وينتصر على ما يواجهه من تحديات.“ لا حاجة طبعا لأعلق على المغزى من ”قضايانا“ التي ”لم تختلف كثيرا“ لأنها اختلفت كليا. وأن ”الشعب المصري المستمر في حياته“ أصبحت عيشته لا تطاق، وأنه لم يعد لا يسخر ولا يعيش ولم يعد في استطاعته المواصلة وديون الدولة العامة والخارجية لا يدفعها عنه لا أصحاب الكومبادونادت العملاقة والحديد المحتكر وأنيقات المجتمع العام والإنجازات التي غطت الصحف الرقمية والقنوات الرقمية والأرقام التي أغرقته وأغرقت ”الي يتشدد له“، حتى ”اللي تشددوا له“ مسجونين.


كنت أقول إن الموضوع على الأقل ورغم قد من اللؤم والتضليل رصد كوكبة محترمة من أكبر رسامينا اللاذعين بعيدا عن ”ضحكة مصر الأليمة والباسمة في شخوصهم الرائعة وخطوطهم البديعة“. وبالفعل رصدوا قضايا مهمة وهموما كبيرة وبعض التنكيت وقليلا من التبكيت والتهكم وكثيرا من رفيع الفن الحراق هائل التأثير. حجازي وبهجت عثمان ومحيي الدين اللباد وحاكم ومصطفى حسين طبعا ..


كيف يهمس المحكوم من وراء ظهر الحاكم

أمتعني كتاب يبدو بعيدا أو أجنبيا لطريقتنا في المزاح والسخرية في مصر، لكنه في مضمونه يحمل فكرة هي الأساس في مهارتنا التي لم يكن يفوقنا فيه أحد (التنكيت والتبكيت). الكتاب لجميل سكوت واسمه ”كيف يهمس المحكوم من وراء ظهر الحاكم“ ويتحدث عن هذه العبقرية تحديدا.  الهمس بالمحظور في كتاب سكوت هو بالضبط النكتة اللاذعة التي طالما اشتُهرنا بها وتأستذنا فيها. تحليل الخطاب الخفي للشعوب عالم واسع وعميق من تحليل لغة الخطاب والجسد والتراكمات الحضارية والثقافية.. البوتقة هذه تستوعب لغة قد لا تماثل لغة الحي اليومية وقد تتطابق معها.. لكنها في النهاية تحافظ على شيفرة تنجي المحكوم من الحاكم الباطش وتضمن له انتصارا حقيقيا شافيا، يصل للحاكم فعلا وقد يتفرغ جهاز ما في المخابرات لرصد النكت وتحليلها!


لما الظلم يبقى قانون التمرد يبقى واجب!

عذبتهم رسوم أشرف عمر على بساطتها وسلميتها؛ لكنها كانت كالقنابل الحارقة، انتصار  ساحق على فساد وفشل وازدواجية السلطة أمام القراء وتنكيت وتبكيت زادهم الطين بلة  منذ قبض على أشرف عمر وتجديد حبس يأتي في ذيله تجديد. هالهم أن يرسم أشرف عن التجمعات بملايين الملايين لسكنى الأثرياء فقط عليها مئة سور ومئة حارس من العالم البعيد الذي لا يريدون داخله أحد بعد الخامسة كي لا يختلط ”بأولاد الناس الكويسين“، هالهم أن يجاهد الفسدة الفاشلون بإطفاء أزمة الديون  بالديون، هالهم أن فتح اللص معطفه لمُطبّعي  العرب عربه التبضع  ببيع أصول الدولة ليختار منها ما يروق له. هالهم أن يمسك الشرطي السوط يهدد به المواطن المهترئ تحت وطأة الديون ليسحب المونوريل للبشوات. هالهم أشرف، فحبسوا العصفور الرسام الحكاء المترجم.. حبسوا كل هذه الطاقة وكأنك بحسب روح متقدة جبارة الموهبة ستحبس أثرها. النتيجة المدهشة لتصرف غبي كهذا، أنه طبعا لم يحد أحد في هذه ”الدولة“ والدول فوقها شمالا وتحتها جنوبا وحتى الناظرين في أصولها العامة إلا ويعرف أشرف عمر ويمقق عينيه كالجدة التي تسرج فستانا معقدا في رسومه ليتفحصها ليميز الشخوص وطبعت في ذاكرته للأبد. خُلّد أشرف عمر. لم يعد كتابا ترجمه أشرف إلا وتقع عينُك على اسمه كمترجم قبل أن تقرأ اسم كاتب الكتاب. أشرف عمر يبقى، رسومه وكلماته تبقى، والفساد والقمع، جبناء وتعساء، وأغبياء أصلا.

هالهم أشرف كما هالهم ”أنديل“ بجرأته ودعاء العدل“ برسوم الحرية الطاهرة التي تتنطط أمام وجوههم عفاريتُ أعمالهم السوداء.  لن أنسى لو عشت ألف سنة تلك اللوحة الرائعة ”لأنديل ” التي صورت الشعب المصري حين استفاق من الوعود الكاذبة ودعوات التفويض الواحدة في ذيل الأخرى وبدأ يسأل ”فين؟؟“ إحنا بنضيع!  فيجيبهم ال“مسؤول“ وهو جالس بالروب ”واللي يعيده يزيده“ وبعدين قاموا محاصرين البتاعة قلتلهم لأ ياإخوان.. وهكذا..  كما أبدع أنديل في ”راضيو كفر الشيخ الحبيب“ وكل إرهاصاته البسيطة الممتعة غير الخالية من فلسفة لا يفهم ما بين سطورها إلا شعبنا هذا، الغارق في السخرية السياسية من كل شيء، حتى لم ينكرها سجانوه.

أما دعاء العدل، فتدهش أكثر منها هائلة، وهئ هائلة فعلا ومدهشة ومهيبة. رسومها تدق على رؤوسنا الناقوس الذي يطن يوما على الأقل في كل مرة.. أراهن ألا أحدا في جولاتنا الطويلة المارة على منشورات اليوم البائسة  إلا وتعلق برسم عميق المغزى ليس تمهيديا ولا مضحكا.. ينفذ إلى القلب مباشرة، ويدق العقل ويبقى في ركن خاص موجع.. وكأنه دمعة أخفيناها عن الأغراب.. دعاء تنتصر دعاء العدل فينا به لما اعتقدنا أنه ديْن معدوم، أو تذكارات قديمة عزيزة ضائعة… ترسم دعاء على قلوبنا، ترشمنا، فلا ننسى.. وهذا يزعجهم جدا.. كل شيء حقيقي أصيل يزعجهم جدا في زمن التظاهر بأن كل شيء تمام و“زي الفل“.


والا هاو آر يو يارجالة! 

”في الليل……. وما استمر السكون الذي صنعه قدوم  عوف طويلا؛ إذ سرعان ما رفع رأسه، وحدق فيهم جميعا دون أن ينطق حرفًا، وأدار رقبتَه، وشمشم بطاقتَي أنفه، وتابع الموجودون حركاته وهم صامتون يُخمنون ويستعدون. وظل عوف برهة يُحاور عيونَهم ويُلاعبها، ثم جعل ابتسامتَه تضحك ضحكتَها القصرية الخاطفة، وأتْبعها بقوله، وكأنه يستنكر: واللا هاو آريو يا رجاله!  وانفجر الجمع  ضاحكا. ولم تتحمل الصدور ما فيها من ضحكات، فسعلت، وضحكت، ثم سعلت. واستلقى ُ بعضهم على ظهره ليضحك أكثر، وانثنى البعض حتى لاصق وجهه الأرض وهو يضرب بيده على فخذه، وقد تشنَّج ضاحكا. لم يكن ما قاله عوف يستحق كل هذا الانفجار، بل ما كان قولُه غريبًا على أسماعهم، لتنساب منهم الضحكات.  ولكنهم كان يكفي أن يروه أو يسمعوه، أو حتى تأتي سيرتُه َّ لتنساب منهم الضحكات. 

كان هو التميمةَ  القادرة دائما على فتح أفواههم، وقد سمرهم طول النهار. ولم تكد الموجة الأولى تنحسر، ويبدأ الضحك يتحول إلى همس ضاحك، حتى قال عوف بصوته الذي فيه بحة رنَّانة يذوبون فيها: كيلة الدرة يا ولاد! ودون أن يعرفوا ما هي الحكاية قهقهوا بكل ما يملكون من صدور. واستطرد عوف والقهقهات تترى من حوله: أنا سايب الولية من غير عشا يا جدعان! ُ ولعلعت الضحكات، ووضع البعض أيديَ  هم على بطونهم، حتى لا تتمزق، بينما تعبت ُ بطون الآخرين. ٍّ ولما لم يجز عليهم ما في وجهه من جد  ولا ما في ابتسامته المؤدبة من تردد، ولا ما في ملامحه من حزن وتأثر، هز رأسه في يأس، ووسع ابتسامتَه على قدر ما استطاع، وتلفَّت ٍ حوله وهو يُدير رقبته في استسلام، وعلى يمينه كان هناك جالس قد استحوذ عليه النعاس رغم كل تلك الضجة، وراح يفقر، ورأسه تَهوي على صدره، ثم تنتفض عائدةً إلى مكانها فوق رقبته. ومضى عوف يتأمل الرأس الصاعدة الهابطة عن يمينه وقد ران عليه تفكريٌ عميق،  وكأنه أمام معضلة لا حل لها. وكان الجالسون ينظرون إليه، ثم إلى النائم، ولا يستطيعون بعد هذا أن يملكوا زمام أنفسهم فيضحكون. 


وبدا على عوف أنه قد وجد الحل، فقرب فمه من أذن النائم، ثم قال بأعلى صوته، وكأنه يهش على جْدي كبير: سك، سكك دبه! وثارت عاصفة ضحك عاتية، واستيقظ النائم  على ثورتها نصف مذهول، واسترد وعيَه وهو يضحك، ثم أسرف في الضحك حتى قهقه، وملا رأى العاصفةَ مستمرةً قام، وخلَع َّ ه الصوف ورماها، وداس عليها بقدمه الغليظة، ثم سب أبا الدنيا وقعد وهو يبتسم طاقيتَه في سذاجة وذهول. ونسي ٌ عوف َ نفسه وسوق الماشية والكيلة وما بعد العشاء، وقد أعجبه ما أشاعه فيهم من ضحك وحياة، بل إنه أحس بشيء غير قليل من الفخر والتيه، وهو يرى كلماته تتلاعب بعقولهم فتحركها أنَّى تشاء. ونسي الحاضرون أنفسهم هم الآخرون، ونسوا حياتَهم. ُ وما كان يأتيهم النسيان إلا بعد عناء. ً وبدءوا يضحكون ضحكا حقيقيٍّا.  وأيضا ما كان يأتيهم الضحك إلا بشق الأنفس. كانوا يضحكون أول الأمر وهم فقط يُقلدون من يضحكون.

 ثم يحسون أن ما هم فيه يستحق الضحك فعلا فيضحكون. ثم يرون أن ما أمامهم فرصة ينعمون فيها بضحك لا ثمن له، وهم ما اعتادوا أمثال ٍ تلك الفرص، فيضحكون لحاضرهم ويختزنون ضحكات أخرى للمستقبل.  ثم كانوا يتذكرون ما قاسوه في النهار، وما سوف يبذلونه في الغد المقبل، فيتشبَّثون بما هم فيه من ساعة، ويضحكون ويغصبون على أنفسهم، ويضحكون أكثر وأكثر. ولا يدوم هذا إلى الأبد. فسرعان ما يمسح عجوز منهم الدمعةَ الضاحكة عن عينه، ويقول بصوت فيه رنَّةُ ندم، وكأنه اقترف إثما: اللهم اجعله خري يا ولاد..“


تركتكم تستمعون بارتشاف انبساط القرويين زمان جدا.. وعلى يدي أستاذ الأساتذة في القصة القصيرة وقد اقتطعتُ منها.. الدكتور يوسف إدريس في جزء من اقتصاص شعب القرية في سهرة ”كوباية الشاي“ فاكهة الفلاحين كما علمتني صديقتي غادة من العجوزين وقد كانت عائلتها من أعيانها.. هكذا تحتل النكتة والضحك ”من الغلب“ جانبا من التنكيت دون التبكيت عن أهل القرة، ليتركوا التبكيت لأهل البندر، حتى ظهر الافندية في القرى وابتدأ مزاج وجلسات الفلاحين تضم أفندي من المستعملين في البندر.. وقامت الثورة.. ثورة أعلنت فيها جمهورية زفتى نفسها كيانا مستقلا عن المملكة المصرية المحتلة من قبل بريطانيا في ٢٣ مارس أثناء ثورة ١٩١٩! هكذا! ثورة مهولة سلمية! بفارق واحد فقط ”التعليم“!


بلاشكلامفارغ!

سيد صابر.. الحبيس

الكاتب الروائي الذي كان فاكهة أصدقائه ويتجرأ على هذه السلطة بالتنكيت! أتذكر فور عودتي للقاهرة أن قدمني لصفحته صديق. فرحت به كثيرا! الحمد لله يارب وجدت مصريا ينكت! حتى إن الجملة بدت لأذني غريبة جدا! لو قلتها قبل عشرين سنة مثلا لقالوا أخرف! حاولت الانتقاء مما نشر ..“وانا من هنا ومن موكعي هذا اختلف اختلافا” تاما” مع الزميل العزيز رئيس تحرير الأهرام السابق عبد الناصر سلامة والذي طالب بعزل الرئيس والتحقيق معه علي خلفية موضوع سد النهضة وأطالب من موكعي هذا بتحويل السيد رئيس الجمهورية الي مستشفي الأمراض العقلية للكشف عن مدي قوة وسلامة قواه العقلية … مرة يقولنا امي قالت لي ومرة انا طبيب الفلاسفة ومرة رؤي ومنامات و امبارح ربنا كلمه ودردش معاه وأعطاه البركة … كده مش بعيد الخطاب القادم يطلع لنا عبد الفتاح السيسي ويقول لنا … انا المهدي المنتظر. احنا هنبطل هري … لما انت تبطل هري يا ريس“


إليكم: ”قررت نيابة أمن الدولة تجديد حبس الكاتب الصحفي سيد صابر سيد سالم ٤٥  يومًا على ذمة التحقيقات في القضية رقم 6499 لسنة 2024 حصر أمن دولة.

يُذكر أنه تم القبض على الصحفي يوم 26/11/2024، وتم عرضه على نيابة أمن الدولة يوم 27/11/2024، وذلك بعد نشر بوست على صفحته الشخصية على فيسبوك. ”التحقيقات تمحورت حول منشوره الذي تناول فيه العلاقات بين السلطة المدنية والعسكرية بأسلوب ساخر، وهو ما اعتبرته السلطات خرقاً يستوجب الحبس”.

ضاع الجدع في شربة ميه بسبب ”مقال سياسي لاذع دمه خفيف نصفه تنكيت!


أساتذة التنكيت والتبكيت

لولا ما قرأت في كتاب ”الظرفاء“ أن عبد الله النديم خطيب الثورة العرابية كان يكتب النكات السياسية الحارقة ما كنت صدقت. أو أن شاعر النيل حافظ إبراهيم لما ضاق به الحال دار على المقاهي فقرر أن يكتب مقالا في هجاء خاله! وأن الشيخ عبد العزيز البشري كان ”منكتاتي“ رائع بين أصدقائه!

أما عن الأستاذ محمود السعدني نفسه فهو أستاذ التنكيت والتبكيت! لن أقرأ له مثيلا ولن أقف وعيناي على اتساعها لناقد سياسي يشبهه! وأقول في عقل بالي ” كتب كده فعلا؟!“ واستأنف! هذا العصر بفي احتياج شديد جدا لمحمودٍ سعدنيٍ شديد البأس! فالواد ابن أبو إسماعين أبو لسان زالف بيقول هيرفعوا الدعم عن العيش وحدانا واحد من بلدنا حبسوه، قمت قلتله فز قوم امشي مشش في ركبك الحيطان ليها ودان هم عارفين مصلحتنا! مش انتواعارفين ياباشا؟

ويجعله عامر!

شارك

مقالات ذات صلة