سياسة
علي السليمان
تعدّ قضية قوات سوريا الديمقراطية (قسد) واحدة من أبرز التحديات التي واجهت السياسة الإقليمية في سوريا خلال السنوات الأخيرة، خاصة مع تداخل المصالح التركية والأمريكية والسورية في هذا الملف. لعبت تركيا دورًا محوريًا في الضغط على قسد، بالتعاون الضمني أحيانًا مع الولايات المتحدة، لدفعها نحو التوصل إلى اتفاق مع الحكومة السورية الجديدة واندماجها تحت مظلة وزارة الدفاع السورية. في هذا المقال، سنستعرض كيف ساهمت تركيا في هذه العملية، مستعينين بمصادر موثوقة، مع تحليل السياق السياسي والعسكري الذي أحاط بهذا التطور حتى مارس 2025.
السياق التاريخي والموقف التركي من قسد منذ تأسيس قوات سوريا الديمقراطية في أكتوبر 2015 بدعم أمريكي، عدتها تركيا تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي بسبب ارتباطها بوحدات حماية الشعب الكردية (YPG)، التي ترى فيها أنقرة امتدادًا لحزب العمال الكردستاني (PKK)، الذي تصنفه منظمة إرهابية. وفقًا لتقرير نشرته الجزيرة نت في 15 ديسمبر 2024، فإن تركيا رأت في سيطرة قسد على مناطق شرق الفرات تهديدًا استراتيجيًا، بينما اعتبرتها الولايات المتحدة حليفًا رئيسيًا في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). هذا التباين في المواقف أدى إلى توترات بين أنقرة وواشنطن، لكنه لم يمنع التنسيق في بعض المراحل الحاسمة.
مع سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024 وتشكيل حكومة انتقالية بقيادة أحمد الشرع، تغيرت ديناميكيات الصراع في سوريا. أصبحت تركيا، التي دعمت فصائل المعارضة السورية، لاعبًا رئيسيًا في رسم مستقبل البلاد. في الوقت نفسه، بدأت الولايات المتحدة، خاصة مع اقتراب تولي دونالد ترامب الرئاسة في يناير 2025، بمراجعة سياستها تجاه قسد، مع التركيز على تقليص وجودها العسكري في سوريا. الضغط العسكري التركي على قسد اعتمدت تركيا استراتيجية الضغط العسكري كأداة أساسية لإجبار قسد على تغيير مواقفها.
في يناير 2025، أطلق وزير الخارجية التركي هاكان فيدان تحذيرًا نهائيًا لقسد، مهددًا بعملية عسكرية إذا لم تلقِ السلاح وتفك ارتباطها بالـPKK، وفقًا لما أوردته الجزيرة نت في 10 يناير 2025. تزامن ذلك مع تقدم فصائل الجيش الوطني السوري المدعومة من تركيا، التي نجحت في طرد قسد من مدن مثل منبج وتل رفعت، مما أضعف قبضتها على شمال شرق سوريا. هذا الضغط العسكري لم يكن عشوائيًا، بل جاء ضمن استراتيجية واضحة تهدف إلى إجبار قسد على التفاوض مع الحكومة السورية.
وأشار المحلل السياسي طه عودة أوغلو في تصريحات للجزيرة إلى أن تركيا استفادت من تراجع النفوذ الروسي والإيراني بعد سقوط الأسد لتعزيز موقعها كفاعل رئيسي، مستخدمة أوراق القوة للضغط على قسد لقبول حل سياسي. التنسيق مع الولايات المتحدة على الرغم من الخلافات التاريخية بين تركيا والولايات المتحدة حول قسد، فقد ظهر تنسيق ضمني بين الطرفين في المرحلة الأخيرة.
وفقًا لما ذكره عبد العظيم محمد، مدير مكتب الجزيرة في أنقرة، في 10 مارس 2025، فإن الولايات المتحدة مارست ضغوطًا على قسد للتوصل إلى اتفاق مع الحكومة السورية الجديدة، وذلك في إطار رغبتها بسحب قواعدها العسكرية من سوريا. كما أكدت تصريحات المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر في 18 ديسمبر 2024، أن واشنطن كانت تسعى لتهدئة التوترات بين تركيا وقسد، مع تأييدها لدمج القوات المحلية تحت مظلة جيش سوري موحد. تشير تقارير إلى أن اتفاقًا تم توقيعه بين واشنطن وأنقرة في فبراير 2025، نص على حل فصائل قسد وتسليم حقول النفط والسجون التي تضم مقاتلي داعش إلى الحكومة السورية، وفقًا لما نشرته حسابات على منصة X في 10 مارس 2025.
هذا الاتفاق، إن صح، يعكس تقاربًا في المصالح بين تركيا وأمريكا، حيث رأت الأولى فيه فرصة للقضاء على تهديد قسد، بينما وجدت الثانية مخرجًا لتقليص التزاماتها في سوريا. الاتفاق النهائي ودور تركيا في 10 مارس 2025، أعلنت الرئاسة السورية توقيع اتفاق بين أحمد الشرع وقائد قسد مظلوم عبدي، يقضي بدمج قسد ضمن مؤسسات الدولة السورية، بما في ذلك وزارة الدفاع، مع ضمان حقوق الأكراد في المشاركة السياسية، حسبما أوردته وكالة سانا وBBC عربي. هذا الاتفاق لم يكن وليد اللحظة، بل نتيجة مفاوضات استمرت لأكثر من شهرين، كما أشار عبد العظيم محمد.
تضمن الاتفاق وقف إطلاق النار، وتسليم السجون والمعابر الحدودية وحقول النفط إلى الحكومة السورية، وهي مطالب كانت تركيا تدفع باتجاهها بقوة. رأت تركيا في هذا الاتفاق انتصارًا استراتيجيًا، إذ نجحت في تحييد قسد كقوة مستقلة، وضمان عدم تشكيل كيان كردي على حدودها. كما عززت الاتفاق وحدة الأراضي السورية، وهو هدف أكدته تصريحات هاكان فيدان التي نشرتها الجزيرة في يناير 2025، حيث شدد على ضرورة القضاء على الإرهاب وحماية سلامة سوريا. التحليل والنتائج ساهمت تركيا في الضغط على قسد عبر مزيج من العمليات العسكرية والضغط السياسي، مستفيدة من التنسيق مع الولايات المتحدة التي بدأت ترى في الانسحاب من سوريا خيارًا منطقيًا.
الضغط العسكري التركي أضعف قدرة قسد على المقاومة، بينما فتح الدعم الأمريكي المشروط الباب أمام مفاوضات مع دمشق. النتيجة كانت اتفاقًا تاريخيًا أنهى وجود قسد ككيان مستقل، وعزز دور تركيا كلاعب رئيسي في سوريا ما بعد الأسد. في المقابل، يبقى السؤال حول مدى استدامة هذا الاتفاق، خاصة مع وجود نقاط خلاف مثل مصير سجون داعش، التي أرجئ النقاش حولها. كما أن موقف الأكراد السوريين من الاندماج الكامل تحت سلطة دمشق قد يثير توترات مستقبلية. ومع ذلك، فإن دور تركيا في هذه العملية يظل دليلاً على قدرتها على فرض رؤيتها في الملف السوري، بالتعاون مع حلفائها وخصومها على حد سواء.