أدب
للكاتبة: هنادي الدنف
لم يكن هذا الكتاب مجرد مشروع أدبي بالنسبة لي، بل كان رحلة شخصية مليئة بالألم، الصمود، والتساؤلات التي لا تنتهي. منذ اللحظة الأولى التي قررت فيها الكتابة، كنت أعلم أنني لن أخوض تجربة سهلة. أن تكتب عن غزة، عن المعاناة النفسية، عن الألم الذي لا ينتهي، هو أن تعيد عيش تلك اللحظات مرة أخرى، بكل ما تحمله من مشاعر ثقيلة وندوب لم تلتئم بعد.
“كتابات نفسية غزية” ليس كتابًا عاديًا، ولم يكن وليد الخيال أو التصورات، بل كُتب من واقع الأحداث التي عايشتها في غزة. كل كلمة، كل قصة، كل تحليل نفسي جاء من رحم المعاناة الحقيقية. لم أضف شيئًا لم يكن موجودًا، ولم أقم بتجميل شيء، بل حاولت أن أكون صادقة قدر المستطاع، أن أنقل الألم كما هو، والمقاومة كما يجب أن تُرى.
ولادة الكتاب وسط العاصفة
عندما بدأت بكتابة هذا العمل، كنت أعيش في واقع نفسي مرهق، حيث يتقاطع الألم الشخصي مع معاناة الناس من حولي. لم يكن سهلًا أن أضع مشاعري على الورق، فكل مرة أمسكت فيها القلم، شعرت وكأنني أفتح جروحًا لم تلتئم بعد. في لحظة ما، كدت أتوقف عن الكتابة، كنت أسأل نفسي: “هل سأتمكن من نقل كل هذا الألم؟ هل سأستطيع أن أوصل حقيقة ما نشعر به؟” لكني كنت أعلم أن هناك أصواتًا يجب أن تُسمع، وقصصًا يجب أن تُروى، وحقائق لا يجب أن تُنسى.
📖 من الكتاب
“نحن لا نكتب لنبحث عن تعاطف، بل لنقول إننا ما زلنا هنا، رغم كل شيء. نكتب لأننا نحتاج أن نفهم أنفسنا في ظل الفوضى التي تحيط بنا، نحتاج أن نعيد تعريف الصمود، لا كحالة سياسية فقط، بل كقدرة إنسانية على الاستمرار”.
الكتابة عن المعاناة.. بين الصدق والألم
لم يكن سهلًا أن أتحدث عن كل تلك المشاعر العالقة بين الخوف والأمل. في أحد الفصول، ناقشت أثر الحرب على الأطفال في غزة، وكم هو مرعب أن ترى طفولة تُسرق أمام عينيك.
📖 من الكتاب:
“في غزة، لا يكبر الأطفال بالطريقة الطبيعية، بل يختصرون المراحل. من المفترض أن يكون اللعب هو شغلهم الشاغل، لكنهم بدلًا من ذلك، يحفظون أسماء الطائرات الحربية، ويميزون صوت الانفجارات، ويعرفون جيدًا معنى الفقد”.
هذه السطور لم تأتِ من فراغ، بل من مشاهد حقيقية، من أطفال رأيتهم يحملون على أكتافهم أعباءً لا يتحملها الكبار. أما عن الصدمة النفسية التي تخلّفها الحرب، فكان من المستحيل تجاهلها.
📖 من الكتاب:
“نحن لا نخرج من الحرب كما دخلناها، حتى لو نجونا جسديًا، هناك شيء في الداخل يظل محطمًا، لا يمكن إعادة تركيبه بنفس الطريقة القديمة. لا أحد يخرج سليمًا تمامًا”.
بين التحليل النفسي والواقع المرير
لكن هذا الكتاب لا يروي القصص فقط، بل يغوص في تحليل نفسي عميق لتأثير الصدمات والنزوح والخوف المستمر على الإنسان. تحدثت عن مفهوم “الاحتراق النفسي”، الذي يصيب الأفراد الذين يتعرضون لضغط نفسي مستمر دون فرصة للراحة أو التعافي.
📖 من الكتاب:
“حين تصبح الحياة معركة يومية، وحين يتحول الأمان إلى حلم بعيد المنال، يبدأ الاحتراق النفسي في التسلل إلى أرواحنا. إنه الإحساس الدائم بالتعب، بانعدام الجدوى، بالرغبة في الهروب حتى وإن لم يكن هناك مكان نهرب إليه”.
ومن أكثر الفصول التي تأثرت أثناء كتابتها، كان ذلك الذي ناقشت فيه كيف يواجه كبار السن تجربة النزوح القسري.
📖 من الكتاب:
“المنازل ليست مجرد حجارة، إنها ذكريات، إنها حياة كاملة متراكمة في كل زاوية. حين يُجبر المسن على مغادرة منزله، لا يأخذ معه فقط أغراضه، بل يحمل على ظهره تاريخًا طويلًا من الحنين، وألمًا لا يمكن تفسيره لمن لم يجرب الرحيل القسري”.
كيف يمكن للكتاب أن يُحدث فرقًا؟
ما يميز “كتابات نفسية غزية” أنه لا يعرض فقط المعاناة، بل يبحث في كيف يمكننا أن نفهم هذه التجربة النفسية ونتعامل معها. فالحرب ليست فقط دمارًا ماديًا، بل هي زلزال داخلي يغير النفوس للأبد. ناقشت في فصول الكتاب كيف يتغير الإنسان بعد كل هذه الصدمات، وكيف أن العودة إلى الحياة الطبيعية ليست بهذه السهولة.
📖 من الكتاب:
“أن تعيش في منطقة صراع يعني أن تحمل الحرب معك حتى بعد أن تنتهي، أن تصبح جزءًا من يومياتك، من أحلامك، من خوفك الدائم. لا توجد حرب تنتهي فعليًا لمن شهدها.”
هذا الكتاب ليس فقط لمن عاش الحرب، بل لكل من يريد أن يفهم تأثير الصدمات على النفس البشرية. هو محاولة لجعل الألم مفهومًا، ولإعطاء صوت لمن لم يتمكنوا من التعبير عن مشاعرهم وسط الفوضى.
لماذا يجب أن يُقرأ هذا الكتاب؟
لأن “كتابات نفسية غزية” ليس مجرد كتاب عن الحرب، بل كتاب عن الإنسان في ظل الحرب. لأنه لا يكتفي بسرد الوقائع، بل يحاول فهم كيف تغيرت أرواحنا، وكيف يمكننا إعادة بناء أنفسنا رغم كل شيء. ولأنه أول كتاب أكتبه بهذا الشكل، كتاب خرج من أعماقي، من التجربة الحقيقية، وليس من مجرد قراءات أو مشاهدات من بعيد.
كيف تحصل على الكتاب؟
بعد أن رأى الكتاب النور في معرض القاهرة الدولي للكتاب 2025، أصبح الآن متوفرًا عبر دار “القاهرة اليوم” للنشر والتوزيع، كما يمكن تحميله بصيغة PDF عبر مكتبة النور لمن يفضل القراءة الرقمية.
📢 هذا ليس كتابًا يُقرأ لمجرد الاطلاع، بل كتاب يُعاش، لأنه يحمل بين صفحاته حكايات من قلب غزة، من قلب التجربة، من قلب المعاناة.