في هذا الشهر وحده، شهدنا معارك إعلامية، وفنية، بانتصارات وانهزامات بما يخص فلسطين وغزة. فعلى الجانب المشرق، فاز الناشط الفلسطيني باسل عدرا بجائزة أوسكار- ليس وهو ممثل أو منتج بائع أو ناس للقضية، بل وهو يظهر مأساة شعبه في فيلم “لا أرض أخرى”، دون التطرق لدور شريكه “الإسرائيلي” سواء بالنقد أو التأييد.
وعلى الجانب المختلط، قامت بي بي سي بسحب فيلمها الوثائقي “غزة – كيف تنجو في الحرب” الذي أظهر تعاطفا كبيرا مع غزة، بدعوى أن أحد الأطفال البارزين في الفيلم نجل لقيادي من حماس. لكن الفيلم لم يتم سحبه من بصمت ودون ضوضاء، بل أثار عاصفة في بريطانيا وحول العالم، وقامت أكثر من ١٠٠٠ شخصية عامة بالمطالبة بإعادته.
في المقابل، وفي الوقت الذي نشهد فيه شعبا عربيا منا يواجه أبشع عدوان مر على بلادنا من دول أجنبية، نجد أن السينما والإعلام المصري، الذي بات مملوكا لأموال للسعودية وخاضعا لجيوب تركي آل الشيخ، صامتا تماما، ومتخل تماما عن دوره في الريادة. إن لم يكن اهتزازا للمأساة الإنسانية لجيرانه، فليكن تضامنا للعروبة، وإن لم يكن تضامنا للعروبة، فليكن مطمعا للريادة واستعادة مصر لمكانتها التاريخية التي كانت في المقدمة لآلاف السنين!
بل بديلا للريادة، تقوم مصر-وشريكتها السعودية- بالريادة في التراجع والتواطؤ والتخاذل، بل والانهيار.
فلا تكتفي بالصمت بل بالعكس، فهي تطال الصوت الوحيد الجريء الذي نجا من غياهب جيوب تركي آل الشيخ، ودان الإبادة، ودعم فلسطين- الفنان محمد سلام- وتعزله من مسلسلات رمضان والأعمال الفنية تأديبا له.
يقال إن الفن مرآة الشعوب. لكن الفن المصري مرآة من؟ الشعب اختار محمد سلام، الذي قبل تضامنه الجميل مع قبل غزة، لم يكن يحظى بتلك الشعبية الواسعة التي حظي بها بعد موقفه الداعم لأهل غزة. يتلخص دعم الشعب له بجملة “كنا فاكرينك هجرس، طلعت الكبير”- في إشارة لدوره -الذي كان تافها- في مسلسل “الكبير أوي”، وتنويها في الحقيقة، أنه ليس التافه، بل هو “الكبير”.
في المقابل، أعطى الشعب حكمه في بيومي فؤاد، الذي قام بدور شرطة الاحتلال وقام بتوبيخ محمد سلام على موقفه الشريف، فبات بيومي فؤاد مثالا للرخص حيث بات يقال “ده أرخص من بيومي فؤاد”. فعندما يعلو صوت “الرخيص” ويتم إسكات “الكبير”، فكيف تصبح مصر رائدة، وكيف يكون فنها مرآة؟ وإن لم يكن فنها مرآة فماذا يكون، إلا أداة قمع وتغفيل؟
محزن أن مصر التي أبهرت العالم على كل الأصعدة، من آلاف إلى السنين إلى عهدنا الحديث، أن يتراجع دورها إلى هذه الدرجة البائسة. فبينما بات العالم يقود ويعلو صوته، يصمت صوت مصر.