Blog

سوريا أرضُ رمال متحرّكة

مارس 11, 2025

سوريا أرضُ رمال متحرّكة

رند صفوان


سوريا أرضُ رِمالٍ مُتحرّكة لكل من يحاول العبث بأمنها لم تعد أرض سوريا ثابتة وصلبة كما كانت في عهد آل الأسد وحزب البعث، بل أضحت رمالًا متحركة، قادرة على ابتلاع من يستهين بقوة شعبها وجيشها. أربعة عشر عاماً من النضال، من الدماء التي سالت ومن التضحيات التي قُدّمَت وبعد هذا المخاض العسير خرجت سوريا الجديدة تحمل مشروعاً وطنياً جامعاً يعيد للشعب كرامته التي طال انتظارها سنوات.


 ولكن – وكما هو متوقع – لم يكن لهذا الانتصار أن يمرَّ دون ارتدادات في المنطقة، وبالأخص لدى إسرائيل التي لم تعرف الخوف من سوريا كما تعرفه اليوم. على مدار عقود، كان النظام البائد يلعب دور “حامي حمى إسرائيل”، يرفع شعارات المقاومة بينما حدوده معها تنعم بالهدوء والاستقرار. 


سقوط النظام السريع المفاجئ جعل إسرائيل تواجه معادلة جديدة لم تعهدها من قبل، فقد أصبحت سوريا قوة صاعدة لا جداراً آمناً. إسرائيل تدرك أن سوريا اليوم ليست كما كانت فشعبها بات جيشاً وأكثرهم إن قرعت طبول الحرب لن يتردد في حمل السلاح والدفاع عن مكتسبات ثورته. فقد رأى العالم بأسره كيف هبّ الشباب السوري من الجيش والأمن لمواجهة فلول النظام البائد في الساحل السوري. واليوم، إن لاحت المعركة فلن تكون مجرد مواجهة عسكرية، بل زحفاً شعبياً لا يوقفه تهديد ولا تردعه قوة. 


إسرائيل ترى في هذا الإقبال الجارف على القتال ناقوس خطر يهدد وجودها فعدوها لم يعد جيشاً على الحدود، بل شعبٌ بأكمله مستعدٌ للمجابهة. سوريا الجديدة لن تسمح لإسرائيل باللعب على قواعد الماضي فالأرض التي كانت ثابتة تحت أقدامها باتت تهتز ومعها تهتز حساباتهم الأمنية والاستراتيجية. لم تعد إسرائيل مطمئنة، لذلك كان لا بد من إشعال فوضى جديدة وهذه المرة عبر سلاح قديم متجدد: الأقليات. 


الأقليات: أطفال الغرب المدللون وثغرتهم للعب بأريحية، لطالما كانت الأقليات في سوريا جزءاً أصيلاً من نسيجها، لكن إسرائيل ومن خلفها القوى الغربية أدركت أن استغلال هذه الفئة يمكن أن يكون ثغرة كبرى تضرب وحدة الدولة السورية الجديدة وتمزقها إلى دويلات وأقاليم على أسس مناطقية وطائفية وعرقية متناحرة. 


اليوم، تصدر إسرائيل تصاريح عمل للدروز السوريين في الجولان وغداً ستفتح لهم أبواباً أخرى في مخطط واضح لخلق فجوة بينهم وبين دولتهم الأم ولجعل الجنوب السوري منزوع السِلاح. الهدف ليس فقط إغراءهم اقتصادياً في أصعب الفترات الاقتصادية التي تمر على سوريا، بل دفعهم ليكونوا أدوات في معركة تقويض الاستقرار السوري.


 للأقليات دور في تصدر المشهد بدل التواري خلفه: لم يكن للأقليات في سوريا دوراً بارزاً في العقود الماضية، إذ بقيت في الظل، محكومة بقيود النظام لكن الأقليات معنية اليوم أكثر من أي وقت مضى بتصدر المشهد لأنهم جزء أصيل من الشعب السوري وأصبح واجباً عليها التصدي لكل فكرة تحول بينها وبين الاندماج الكامل مع أبناء وطنهم من مختلف الطوائف. لم يعد مسموحاً لأي جهة خارجية أن تزرع الشك والفرقة بين أبناء سوريا فالأقليات ليست رهائن لمصالح خارجية ولا أدوات للمساومة، بل مواطنون سوريون لهم ما لبقية الشعب من حقوق وعليهم من واجبات. والتاريخ لن يرحم من يختار أن يكون معول هدم بدلاً من أن يكون لبنة بناء في سوريا الجديدة. على المخطط الإسرائيلي أن يدرك جيداً أن سوريا ليست ساحة مُستباحة، بل رمال متحركة لا تغرق ذاتها إنما تبتلع كل من تسوّل له نفسه العبث بأمنها ومستقبلها.

شارك

مقالات ذات صلة