سياسة

معركة ملاحقة فلول النظام في الساحل السوري.. السياق والمآلات

مارس 9, 2025

معركة ملاحقة فلول النظام في الساحل السوري.. السياق والمآلات

ارتبط ملف ملاحقة فلول نظام الأسد المخلوع بالعدالة الانتقالية والإظهار المستعجل والمطلوب لانضباط المؤسسة الأمنية الجديدة واحتكار الدولة للسلاح بما يدعم معركة تحصيل الشرعية الدولية، والحفاظ على توازن ضبط الأمن وتجنب خلق شعور بالمظلومية لدى العلويين في وقت واحد، وعدم شن حملات مكثفة وعنيفة بُعيدَ سقوط النظام ضد الفلول في الساحل السوري الأمر الذي قد يدفعهم إلى تبني خيارات عسكرية أو تشكيل مجموعات مسلحة قد تجد دعماً من قوى إقليمية لا تزال تعارض السلطة الجديدة في دمشق، وفي الوقت نفسه كان على الحكومة امتصاص الغضب الشعبي ومطالبات تحقيق العدالة للضحايا وعائلاتهم والتي غالباً ما تتداخل مع دعوات للانتقام. هذا المشهد المعقد انضبط على مدار 90 يوماً ثم حدث ما كان متوقعاً يوم الخميس الفائت.


تعرضت دوريات الأمن والجيش في مناطق متفرقة في اللاذقية وطرطوس لكمائن وهجمات منظمة سقط فيها عشرات العناصر، وحاصر فلول النظام الكلية البحرية في جبلة ونقاطاً أمنية أخرى في بانياس ومدينة اللاذقية، ليندلع غضب عارم في حواضن السلطة الجديدة. ما دفع قوات الجيش والأمن لتسيير آلاف المقاتلين إلى الساحل السوري لإعادة ضبطه أمنياً، لينتهي اليوم الأول والثاني بإخماد ما يمكن وصفه بأنه أقل من انقلاب وأكبر من تمرد، لكن الأمر الدقيق الواضح أن فلول النظام باتت منظمة، نظراً لتزامن الكمائن والضربات وأماكن تنفيذها في خطوط إمداد الأمن والجيش، وتجييش صفحات في وسائل التواصل الاجتماعي تحضّ على النفير العام في الساحل، وأعلن القيادي في الفرقة الرابعة غياث دلا تشكيل مجلس عسكري.

كشفت مصادر أمنية واستخباراتية خاصة لسطور سوريا بأن فلول النظام تحركوا ضمن غرفة عمليات لتنسيق الضربات على امتداد محافظتي اللاذقية وطرطوس انطلاقاً من غابات جبال الساحل وكذلك من داخل أحياء المدن، بعد تجهيز الأسلحة والذخائر وبعد رصد على مدار شهرين لتحركات الأمن والجيش.


وأوضحت المصادر أن فلول النظام حصلوا على أسلحة وذخائر من حزب الله اللبناني من طرق التهريب، وكانوا ينسّقون مع “قوات سوريا الديمقراطية”، وشخصيات سياسية من الطائفة العلوية في خارج سوريا. وتجزم السلطات الأمنية والاستخباراتية في دمشق بأن الحرس الثوري الإيراني كان المحرك الأول للفلول، إذ سبق أن رصدت الاستخبارات السورية مؤشرات على تدخّل طهران لتنظيم واستخدام الفلول في الساحل السوري، في الفترة التي صرح فيها وزير الخارجية التركي حقان فيدان في الـ 27 من شباط الفائت عندما حذّر إيران في لقاء مع قناة “الجزيرة” من تداعيات أي دعم محتمل تقدمه لقوات سوريا الديمقراطية “قسد” أو أي أطراف أخرى في سوريا، بغية إثارة الاضطرابات. وقال فيدان في تصريحاته: “إذا كنتم تدعمون مجموعة في بلد آخر لإثارة الفوضى، فمن الممكن أن يقوم بلد آخر بدعم مجموعة داخل بلدكم للهدف ذاته”. ردت طهران في الرابع من الشهر الجاري على تصريحات فيدان ووصفتها بـ”غير البناءة”، معربة عن أملها بعدم تكرارها، وقالت: “لدينا بعض الخلافات في ملفات إقليمية، مثل الملف السوري”.


رصدت الاستخبارات السورية دلائل على تورط إيراني للتدخل في الشأن السوري أمنياً ودعم الفلول عبر “قوات سوريا الديمقراطية”، فطهران لم تعترف مثل موسكو على الأقل بسقوط النظام والصفعة المدوية التي تلقتها، والمعروف أن هناك علاقة متينة تجمع الحرس الثوري الإيراني بغياث دلا المنحدر من بلدة بيت ياشوط في ريف جبلة والذي كان يقود اللواء 42 دبابات في الفرقة الرابعة، واشتهر في معارك الحرب السورية بقيادة “قوات الغيث” وهي ميليشيا رديفة لقوات النظام.


ليس المشهد بهذه البساطة، فروسيا أيضاً ليست بريئة مما حدث بحسب المصادر الأمنية والعسكرية السورية، فموسكو تخشى أن تفقد قاعدة حميميم الجوية في اللاذقية والقاعدة البحرية في طرطوس في حال اتفقت دمشق مع واشنطن على إخراج روسيا من سوريا مقابل الاعتراف بالسلطة الجديدة وفك العقوبات، ولذلك من المحتمل تورط موسكو في أحداث الساحل السوري واستخدام فلول النظام لغاية إرسال رسالة لدمشق.


وفي حميميم قرابة 15 طائرة حربية من طراز سوخوي وعدد من الطائرات الحربية التي يعود ملاكها للجيش السوري هبطت في القاعدة الروسية ليلة سقوط النظام، وأكدت المصادر الاستخباراتية السورية لسطور وجود ضباط من النظام السابق في القاعدة الروسية المتاخمة لمدينة جبلة، التي كانت أبرز ميدان للاشتباكات مع فلول النظام في الأيام الماضية.


انكفأت موسكو عن المشاركة في صد معركة التحرير بعد سيطرة الفصائل العسكرية السوري على مدينة حماة، وانسحبت القوات الروسية من أكثر من 10 نقاط في مختلف المناطق السورية على مرأى من إدارة العلميات العسكرية، وتجمعت في قاعدة حميميم، ثم رصد خبراء أمنيون نقل منظومات دفاع جوي وعتاد عسكري من حميميم بعد سقوط النظام بأيام إلى قواعد عسكرية روسية في ليبيا وأفريقيا. لم تتعرض حميميم لهجوم من الفصائل العسكرية بعد سقوط النظام وبدأت موسكو بتليين خطابها المطبّع مع النظام الجديد في دمشق، فروسيا لا تريد خسارة قاعدتها الوحيدة على المتوسط والتي تعد نقطة الوصل إلى أفريقيا.


ما يزيد من تعقيد المشهد التهديدات الإسرائيلية لدمشق والتوتر الإسرائيلي التركي بشأن سوريا، فالاحتلال الإسرائيلي يفضل الوجود والنفوذ العسكري الروسي في سوريا على التركي.

لم تخطئ دمشق في استراتيجية التعامل مع ملف الفلول والعلويين بناء على ما ذُكر في مقدمة التقرير، لكن الخطأ كان تقنياً حيث تبين ضعف انتشار قوات الأمن والجيش في مدن جبلة وبانياس واللاذقية وطرطوس، وكان لأبناء هذه المدن من الطائفة السنية دوراً حاسماً في إحباط هجوم الفلول المنظم لأكثر من 24 ساعة، حيث نفروا من منازلهم لمساندة القوات الحكومية في المراكز والحواجز لحين وصول المؤازرات، وهذا ما منع الفلول من الانتشار أكثر والسيطرة على نقاط أكثر.


هجوم الفلول كان منظماً وهو ما حسمه رئيس الاستخبارات السوري أنس خطاب عندما وصف ما حدث بالمؤامرة وكان بدعم شخصيات مطلوبة للعدالة متواجدة خارج البلاد، لكن الفزعة الشعبية وسرعة تحرك قوات الأمن والجيش أخمد هجوم الفلول، إلا أنه لم يقض عليهم بالكامل.

كان الدعم العربي والدولي لدمشق واضحاً سريعاً ومباشراً في حربها على المخربين والفلول، وهذا ما يساعد في إكمال الحملة الأمنية العسكرية التي ستستمر لأسبوعين على أقل تقدير لتمشيط جبال وغابات الساحل السوري التي يختبئ فيها الفلول، وهي عملية صعبة بحكم الطبيعة الجغرافية التي تساعد على الاختفاء والدفاع، ولكن سيكون لسلاح الطائرات المسيرة دور كبير في هذه المعركة إلى جانب سلاح المروحيات على قلة عددها، وكل ذلك بالتنسيق مع الاستخبارات السورية التي سبق أن رصدت مؤشرات على حدوث هجمات وبالتالي لديها معلومات مفيدة.

شارك

مقالات ذات صلة