آراء

الحدود السورية.. خاصرة ضعيفة وممر أجندات خارجية    

مارس 8, 2025

الحدود السورية.. خاصرة ضعيفة وممر أجندات خارجية    

مرحلة حرجة جداً يمرُّ فيها السوريون والحكومة السورية المؤقتة عقب بدء حالة من تمرد “فلول” النظام السوري السابق في منطقة الساحل، إذ يُشكّل هذا التمرد نقطة تحول في عمليات زعزعة الأمن في سوريا لو نظرنا إليه من زاوية انتقاله من منطق العمليات الصغيرة المنفردة إلى العمل المنظم والمُنسق في مناطق جغرافيا هي في الأصل مازالت خاصرة ضعيفة أمنياً، لقربها بشكل ما من الحدود اللبنانية التي ما زالت معبراً لتهريب السلاح من سوريا إلى لبنان وبالعكس، ولناحية التوزع الإثني في تلك المناطق.

 

هجوم على الأمن العام في جبلة، تلاه رصدٌ للطرق الرئيسة التي كان متوقعاً أن ترسل الحكومة المؤقتة تعزيزات أمنية منها، وكمائنُ متفرقة على نقاط الأمن. الهجوم الليلي أكسب “فلول” النظام عامل القوة في البداية لسببين: معرفتهم الدقيقة بجغرافيا المناطق مقابل ضعف المعلومات الاستخباراتية لدى الحكومة المؤقتة، وترتيبهم المسبق للعمليات، عواملُ دفعت الحكومة الانتقالية إلى إعلان نفير عام داخلي وقبول المساعدة من كل حملة السلاح، وهو أمر على أهميته وقوته من الناحية العسكرية، إلا أنه يُشكل تحدياً في إمكانية ضبط العمليات وتبعاتها، والقدرة على إدارة الأمور وسط وجود احتقان سوريّ واضح.

 

مصادر أمنية في دمشق أكدت لسطور سوريا أن “فلول” النظام استخدموا في عملياتهم أسلحة جديدة، متوقعةً أن الـ”فلول” حصلت عليها من أطراف خارجية، وموجهة أصابع الاتهام إلى إيران وحزب الله اللبناني، فضلاً عن اتهامات بتنسيق بين قوات سوريا الديمقراطية وبعض قادة العمليات في منطقة جبلة واللاذقية.  التورط الإيراني ليس مستبعداً في تأجيج صراع سوري سوري، وهي التي توحي بإمكانية حدوث هذا الصراع بتصريحات مسؤوليها وإعلامها، خصوصاً أنَّه في يوم الرابع من آذار الجاري نشرت معرفات محسوبة على إيران، من بينها وكالة فارس للأنباء، خبراً عن تأسيس “جبهة المقاومة الإسلامية في سوريا (أولي البأس)”.

 

التنظيم، الأسلحة الجديدة، والجغرافيا مؤشرات أمنية تستدعي النظر من جديد إلى خطورة الحدود السورية خاصرةً ضعيفة يُمكن استخدامها معبراً للأجندات التي تهدف إلى زعزعة الاستقرار وإفشال كل الجهود السورية والدولية لدعم الشعب السوري في هدفه الرامي إلى بناء دولة سورية جديدة على أعقاب خراب الدولة التي تركها نظام الأسد.

 

الحدود السورية اللبنانية: جغرافيا صعبة ومعلومات ضحلة

 

تمتد الحدود السورية اللبنانية على طول ٣٠٠ كم، تتخللها تضاريس معقّدة وغير معروفة البنية التحتية المُعدّة للتهريب التي هيأها حزب الله اللبناني والنظام السوري في السنوات الطوال الماضية، أنفاق وطُرق برية جبلية معبّدة أو بدائية كلها كانت تُستخدم سابقاً لتهريب السلاح والمخدرات على الجانبين. الحكومة السورية الجديدة ليس لديها المعلومات الكافية عن طرق التهريب المُعقّدة على الحدود، يقابلها أيضاً معلومات قليلة من جانب الجيش اللبناني الذي كان يواجه صعوبة في ضبط تلك الحدود مقابل قوّة وسلطة حزب الله اللبناني على تلك الجغرافيا.

 

ورغم العمليات الواسعة التي نفّذتها الحكومة السورية المؤقتة في شهر شباط الماضي لضبط الحدود السورية اللبنانية وإيقاف عمليات تهريب السلاح والمخدرات بين البلدين، يُضاف إليها عمليات توقيف واعتقالات مكثفة لشحنات سلاح ومُهربين على الحدود، إلا أن الإمكانيات المتاحة بيد السوريين واللبنانيين غير كافية كليًّاً لمنع تدفق السلاح والمخدرات في وقت قصير. كذلك فإنَّ الحدود في مناطق جبلية بين طرطوس ولبنان صعبةُ المنال كليّاً من ناحية الحكومة السورية المؤقتة، سيّما أن الآلاف من عناصر النظام السابقين ما زالوا متمترسين فيها بأسلحتهم، ما يجعل تلك المنطقة ممرّاً ممكناً للأجندات الداخلية والخارجية الهادفة إلى زعزعة الاستقرار في سوريا ونشر الفوضى.

 

وعملية ضبط منطقة جبال القلمون الامتداد الحدودي بين سوريا ولبنان أمر ليس سهلاً، لأن النظام السوري في السنوات العشر الماضية حفر أنفاق كثيرة، واستخدم مغارات جبلية مخازنَ للسلاح والمخدرات المُعدّة للتهريب بين سوريا ولبنان، لذلك فإن التنسيق بين الحكومة السورية المؤقتة والحكومة اللبنانية أمر شبه حتمي للإسراع في عملية ضبط الحدود قدر الإمكان وقطع الطرق على كل محاولات زعزعة الاستقرار، فأمن الحدود مطلب أمني ثنائي لبناني سوري، والاستقرار على طرفي الحدود هو مصلحة مشتركة على مستوى البلدين والمستوى الإقليمي. 

 

 

 

الحدود السورية العراقية: قدرات قليلة وقوى متمرّسة

 

إشكالية ضبط الحدود السورية العراقية (٦٢٠ كم) أكثر تعقيداً مقارنة بالحدود السورية اللبنانية، وذلك لأن جزءاً كبيراً من تلك الحدود يقع تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي لا تمتلك الحكومة الانتقالية القدرة في الوقت الحالي للوصول إليها، والوصول إليها مرتبط بالمفاوضات والتفاهمات المتعثرة بين كل من حكومة دمشق وقوات سوريا الديمقراطية، رغم من أن (قسد)  تقول إنها تضبط تلك الحدود إلا أن المصادر تقول إن تنظيم داعش ما زال يمتلك القدرة على تهريب خلاياه والسلاح، إضافة إلى حزب العمال الكردستاني الذي يتملك قدرة جيدة في عمليات التنقل بين طرفي الحدود.

الجزء الآخر من الحدود الممتد من معبر البوكمال إلى الحدود السورية الأردنية هو الآخر يعيش واقعاً معقداً، فالقدرة العسكرية والمعلومات الاستخباراتية لدى الحكومة الانتقالية غير كافية للسيطرة على الحدود، والميليشيات التابعة لإيران وتنظيم داعش استطاعا في سنوات الماضية إنشاء شبكات تهريب معقدة وطرق وأنفاق تصل الجانبين السوري والعراقي، وبحسب المعلومات فأن عمليات التهريب مازالت تتم من الحدود.

تقول المصادر أيضاً إنَّ الحكومة الانتقالية تحاول التفاهم مع شبكات التهريب التقليدية لتأطير عمليات التهريب في الوقت الراهن، بحيث تسمح لهذه الشبكات بتهريب السلع مقابل الحصول على ضمانات من الشبكات بعدم تهريب السلاح والمخدرات والمعدات العسكرية. هي خطوة محفوفة بالمخاطر لكنها تكتيك أمني معقول يعطي الفرصة والوقت للحكومة الانتقالية لتفكيك الشبكات الأخرى غير المنضبطة، والسعي لتجفيف إمكانيات تهريب السلاح ووصوله إلى أطراف مازالت مرتبطة بجهات خارجية لخلق وتعزيز حالة فوضى أمنية في سوريا.

 

ومن عوامل التعقيد على الحدود السورية العراقية وجود قوى على الجانب العراقي، مثل الحشد الشعبي، كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق، والتي كان لها دور فاعل زمن النظام السابق في تهريب السلاح والمخدرات لصالح الميليشيات التابعة لإيران في سوريا. هذه القوى مازالت موجودة بشكل فاعل إضافة إلى عناصر من الميليشيات العابرة للحدود التي كانت تخدم الأجندة الإيرانية في سوريا (فاطميون، زينبيون) والذين باتت لديهم المعرفة بطرفي الحدود على مدار السنوات الماضية. ومن الممكن أن تُستخدم هذه الإمكانيات لتنفيذ أي أجندات هدفها منع الحكومة السورية الانتقالية من بسط الأمن ضمن الجغرافيا الخاضعة لسيطرتها. لذلك فإن تعزيز التواصل بين الحكومة السورية والعراقية قد يساعد في المرحلة القادمة لتعزيز جهود إرساء الاستقرار في سوريا، والذي سنعكس إيجاباً على الواقع السياسي في العراق الذي يبدي مخاوف من تنظيم داعش وانعدام الاستقرار في سوريا.

 

الحدود السورية الأردنية: ممر اقتصادي لدعم الخلايا

 

الحدود السورية الأردنية هي أقل تهديداً من الناحية الأمنية، خصوصًا أنها لا تستخدم لتهريب السلاح وتنفيذ الأجندات. عمليات التهريب التي تتم عبرها هي لمواد مخدرة كانت مسؤولة عنها الفرقة الرابعة والميليشيات الإيرانية، والتي كانت عائداتها تغطي رواتب العناصر التابعين للميليشيات، وتزيد من القدرة المالية للفرقة الرابعة التي كانت تحت إدارة ماهر الأسد، شقيق بشار الأسد.

بحسب المعلومات فإن التنسيق بين الحكومة الانتقالية والحكومة الأردنية على مستوى جيد لضبط الحدود ومنع تهريب المواد المخدرة، والتي تُعد كابوسًا يؤرق العالم والإقليم. الإمكانيات أقوى في الجنوب السوري، وإيقاف تلك العمليات سيستغرق وقتًا، خصوصًا أن بعض المناطق الحدودية التابعة لمحافظة السويداء مازالت خارج السيطرة الكلية للحكومة المؤقتة.

 

استمرار عمليات تهريب المخدرات بين سوريا والأردن هو مكسب اقتصادي للشبكات القديمة المرتبطة بشكل ما بالقوى القديمة، وعائدات هذه التجارة يمكن استخدامها لتجنيد وتسليح الخلايا التابعة للنظام السابق أو الميليشيات الإيرانية لتنفيذ عمليات في الجنوب وزعزعة الاستقرار.

 

 

 

 

شارك

مقالات ذات صلة