فيلم “Cast Away” أو “المنعزل” الذي أُنتِج في عام 2000، هو فيلم دراما ومغامرة، ويُعدّ من أجمل وأروع الأفلام التي تتمحور حول شخصٍ واحد فقط، وقد أنتجه وأخرجه “روبِرت زيميكِس”، بينما قام “وليام بْرويْلْز جونْيور” بكتابة النص السينمائي.
يبدأ الفيلم مع “تْشاك نولانْد”، الموظّف في شركة الشحن الجوّي “فيديكْس”، الذي كان على وشك الزواج من حبيبته “كيلي فريرْز”، ولكن يتم تكليفه بالذهاب في رحلة عمل عاجلة إلى ماليزيا، فيوافق ويخبر “كيلي” بأنه لن يغيب طويلًا، وأثناء الرحلة يتفاجَأ “تْشاك” ومن معه بعاصفة قوية تؤدّي إلى سقوط الطائرة وتحطّمها، وكلُّ مَن على متنها يلقى حتفه، ما عدا “تْشاك”.
ينجو “تْشاك” بأعجوبة ويجد نفسه وحيدًا في جزيرة استوائية مهجورة، ويصاب بالاكتئاب الشديد حين يُدرك صعوبة إنقاذه من هذا المكان المعزول عن العالم، وتمر الأعوام وهو يحاول التأقلم مع حياته الجديدة، والحفاظ على سلامته العقلية والجسدية، متمسّكًا بالأمل في النجاة والعودة مجدّدًا إلى حياته السابقة.
استغرق المخرج “روبرت زيميكِس” وقتًا طويلًا في العمل على هذا الفيلم لكي يظهر بأفضل صورة ممكنة، حيث توقّف عن التصوير لأكثر من عامٍ كامل لتوفير الوقت الكافي لبطل الفيلم “توم هانْكْس” لإنقاص 20 كيلوغرامًا من وزنه حسب ما تتطلّبه شخصية “تْشاك” في الفيلم، واستغلّ “زيميكِس” هذا الوقت في العمل مع نفس الطاقم على فيلم الرعب والإثارة “What Lies Beneath”، وهو من بطولة “هاريسون فورد” و”ميشيل فايْفَر”، والذي عُرض أيضًا في دور السينما في نفس العام، قبل هذا الفيلم بأشهرٍ قليلة. صرّح “توم هانْكْس” أنّ أصعب جزء عانى منه كثيرًا في مرحلة إنقاص الوزن هو الامتناع عن أكل البطاطس المقلية لمدّة طويلة، وأنّ أكثر ما ساعده على الصمود هو شرب كمية كبيرة من القهوة في صباح كل يوم.
فكرة الفيلم خطرت على “توم هانْكْس” حين قرأ مقالًا عن شركة “فيديكْس”، وطائراتها الكبيرة المحمّلة بالطُرود التي تجوب دول العالم يوميًّا، وقال في نفسه: “ماذا سيحدث لو سقطت واحدة من تلك الطائرات؟!” ومن هنا تبَلْوَرت الفكرة في عقله وتخيّل نفسه لو كان الناجي الوحيد، وكيف سيعيش في مكانٍ معزول لا تتوفّر فيه سُبَلَ الحياة. من باب عيش التجربة بشكل واقعي، قام عددٌ من أفراد طاقم الفيلم بالبقاء في الجزيرة لعدّة أيّام في محاولة النجاة وتعلّم بعض المهارات، وقد تمّت الاستفادة من تجاربهم ومهارات النجاة التي تعلّموها باستخدامها لشخصية “تْشاك” في الفيلم، مثل: محاولة إشعال النار بصعوبة، وطريقة كسر جوز الهند، وصيد السمك، وكيفية التحدّث إلى كرةِ طائرة.
لعلّ أكثر ما أبهر المشاهدين في الفيلم هي كرة الطائرة التي وجدها “تْشاك” في أحد الطرود التي وصلت إلى الشاطئ مع حطام الطائرة، وأطلق عليها اسم “ويلْسون”، وصار يتحدّث إليه كصديقٍ مقرّب ويعبّر عمّا في داخله من مشاعر مكبوتة.
مدة الفيلم تزيد عن ساعتين، ومن الصعب جذب انتباه المُشاهِد طوال الوقت في فيلم شبه صامت بحواراته القليلة ومعتمد على شخصية واحدة لولا حبكة “ويلْسون” والحبكات الفرعية الأخرى، والأهم من كل ذلك أداء “توم هانْكْس” الرائع والمتميّز، والظهور القصير لـ “هيلين هانْت” بشخصية “كيلي فريرْز”، والجدير بالذكر أنّه تم بيع “ويلْسون” أو كرة الطائرة المستخدمة في الفيلم في مزادٍ بسعر تجاوز 18 ألف دولار.
ترشّح الفيلم لجائزتَيْ أوسكار، لأفضل ممثل “توم هانْكْس” وأفضل تحرير صوتي، وبلغت ميزانية إنتاجه 90 مليون دولار، وقد حقّق إيرادات عالية في شبّاك التذاكر في أمريكا وبقية دول العالم بما يقارب 430 مليون دولار، كما نال الفيلم إعجاب النقّاد والجمهور، ولا يزال خالدًا في الذاكرة، ولغاية اليوم يرى “توم هانْكْس” أنّ هذا الفيلم هو الأقرب إلى قلبه من بين جميع أفلامه.
الكثير من الأشخاص يعتقدون أنّ شركة “فيديكْس” ساهمت في تمويل الفيلم، والواقع أنّه برغم ارتباط القصة بالشركة وخدماتها وظهور شعار الشركة مرارًا في الفيلم، إلّا أنّها لم تدفع أي مبلغ مقابل ذلك، وأوضح “زيميكِس” ذلك في العديد من المقابلات.
حين علِمَ كبار المسئولين في شركة “فيديكْس” عن فكرة الفيلم كانوا قلقين جدًّا بحكم أنّها مرتبطة بالشركة بطريقة غير إيجابية مع سقوط الطائرة وفقدان طُرود الزبائن، ولكنهم لم يعترضوا على النص السينمائي النهائي، وقدّموا كل الدعم الممكن أثناء التصوير، وصرّحوا لاحقًا أنّ الفيلم كان مفيدًا جدًّا في الدعاية والترويج للشركة، وخاصّةً خارج أمريكا، وقد تلقّوا الآلاف من طلبات التوظيف بعد عرض الفيلم.