مدونات
للكاتبة: سلمى علي محمد
في حوار صحفي أجراه الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، كشف عن تفاصيل نقاشه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال زيارته لإسرائيل عقب أحداث السابع من أكتوبر بفترة وجيزة. وقد جرى الحوار بينهما على النحو التالي:
بايدن: “بيبي نتنياهو، لا يمكنك قصف المجتمعات السكنية عشوائيًا.”
نتنياهو: “لقد فعلتموها من قبل، قصفتم برلين عشوائيًا وأسقطتم سلاحًا نوويًا، وقتلتم الآلاف من الأبرياء لأنكم اضطررتم إلى ذلك من أجل الفوز بالحرب.”
بايدن: “وهذا هو السبب الذي أنشأنا من أجله الأمم المتحدة لوضع اتفاقيات جديدة حول كيفية تعاملنا مع المدنيين والعسكريين.”
وتابع بايدن قائلًا: “لا يمكنك قصف المناطق المدنية بشكل عشوائي، حتى لو كان الأشرار هناك، فلا يمكنك قتل مئة شخص بريء من أجل القضاء على شخص واحد شرير.”
هنا يتوقف الحديث عند جزء بالغ الأهمية من الحوار بين مسؤولين يمثلان قوتين عالميتين، أحدهما في الغرب والآخر في الشرق الأوسط. فمواجهة نتنياهو لبايدن حملت في طياتها تذكيرًا بتاريخ الحروب الدامية، حيث بدا وكأنه يبرر أفعاله بالإشارة إلى ماضي القوى الكبرى، مشيرًا إلى أنه مهما حدث في غزة، فلن يصل إلى ما وصفه بالسجل “الإجرامي المشرف” للقوى الغربية.
وفي نفس اللقاء، أشار بايدن إلى أنه اطّلع على تصميم خاص بالأنفاق الموجودة في غزة، والغريب أنه أبدى إعجابه وانبهاره بتصميم الأنفاق وكيفية بنائها بعمق قد يصل إلى 200 قدم تحت الأرض. وكأنه يتساءل: كيف يمكن، بإمكانات بدائية وأدوات بسيطة، بناء هذا العمل الهندسي الرائع؟ كيف فعلوها؟! لكنه لم يسأل نفسه ولو للحظة لماذا تم بناؤها، وليس كيف تم بناؤها. لم يفكر بأن تلك الأنفاق هي جزء من مقاومة شعب يريد أن يعيش كأي إنسان حر، يريد الحرية والمأكل والحياة الطبيعية للبشر، يريد أن يتنفس في وطنه، لكنه لم يجد الهواء فوق الأرض، فسلك طريقًا للحياة تحت الأرض.
فإسرائيل تحاسبهم حتى على الهواء الذي يستنشقونه، على الماء الذي يشربونه، على كل متطلبات الحياة الإنسانية، حتى الأساسية منها لم يجدها الفلسطيني على أرضه. فإذا كان نتنياهو قد تعجّب من معارضة بايدن لقصف المدنيين، فلا داعي للقلق، سيد نتنياهو، فأنتم جميعًا مجرمون وقتلة، وكنتم السبب الأساسي في انهيار الشرق الأوسط اقتصاديًا، ليبقى في حاجة دائمة إليكم.
اطمئن أيضًا على المصالح المشتركة بينك وبين من خلق إسرائيل في الشرق الأوسط، فقد قالها بايدن سابقًا: “إذا لم يكن هناك إسرائيل في الشرق الأوسط، فعلى الولايات المتحدة أن تخترع إسرائيل لحماية مصالحنا في المنطقة.”
ولا يمكن إنكار أيضًا أن جزءًا كبيرًا من المواقف العربية تجاه أمريكا وإسرائيل يخضع لحسابات المصالح السياسية والاقتصادية، فمعظم الدول العربية ترتبط باتفاقيات وتحالفات تجعلها غير قادرة على اتخاذ قرارات حاسمة دون النظر إلى ردود الفعل الغربية، خاصة “الأمريكية”. وقد ساهمت هذه التبعية في تكبيل الإرادة السياسية العربية، مما جعلها تدور في فلك السياسة الأمريكية، حتى عندما تتعارض هذه السياسة مع المصالح القومية العربية.
كما أن غياب الوحدة العربية أحد أهم أسباب ضعف الموقف تجاه القضايا المصيرية. فالدول العربية متباينة في توجهاتها وتحالفاتها، وبعضها أصبح يعتبر إسرائيل شريكًا لا خصمًا، متجاهلًا بذلك التاريخ الدموي للاحتلال والانتهاكات المستمرة بحق الفلسطينيين. كما أن الانقسامات الداخلية في العديد من الدول العربية جعلت الحكومات مشغولة بأزماتها الداخلية أكثر من اهتمامها بالقضايا القومية الكبرى.
فمتى سيفيق العرب من نومهم العميق الذي استمر لعقود، حتى تحولت أمريكا وإسرائيل إلى وحوش كاسرة ذات أنياب مغروسة في أراضينا وحياتنا، التي تحولت إلى جحيم بسبب وجودهم في منطقة الشرق الأوسط؟ فالعرب اليوم كمن يرفع سلاحه، لكن فوهته فارغة وكلماته بلا صدى، فأصبحت بلا قيمة أمام النفوذ الأمريكي ودعمه المستمر لإسرائيل بلا انقطاع.
وإن استمر هذا التخاذل العربي، فستواصل إسرائيل إجرامها وتطلعها الدائم إلى التوسع والاستيطان والتوغل في أراضينا، لفرض هيمنتها على المنطقة. ولن يرحمنا الغرب، لأنه لا يتقن سوى لغة واحدة، وهي “القوة”. فمتى سندرك هذه الحقيقة؟ متى ستعيد الدول العربية النظر في سياساتها وتسعى إلى بناء موقف قوي ومتوازن يحفظ حقوقها ومصالحها القومية بعيدًا عن التبعية والضعف؟