مدونات

معاملة الأسرى بين إنسانية المقاومة ووحشية الاحتلال

فبراير 22, 2025

معاملة الأسرى بين إنسانية المقاومة ووحشية الاحتلال

للكاتب: ظاهر صالح


بالأمس، شاهد الكثيرون طريقة وشكل تسليم جثث أسرى الاحتلال في قطاع غزة، التي تؤكد للعالم بأسره إنسانية وأخلاقية وتحضّر المقاومة، مقابل وحشية الاحتلال في تسليم الأسرى الشهداء، حيث يسلمهم في أكياس بلاستيكية بلا كفن ولا تابوت. بالإضافة إلى ذلك، يستخدم الاحتلال عدة أساليب وحشية في التعامل مع جثامين الشهداء في الضفة الغربية، من خلال إلقائها من أسطح المباني، وتركها ملقاة في الشوارع، فضلاً عن عمليات التسليم المهينة وغير الموثقة. كما حدث في عدة حالات في قطاع غزة، حيث دفن البعض في قبور جماعية مجهولة الهوية، وسُلِّم بعضهم الآخر في أكياس نايلون.


ينبغي أن يعلم العالم أن أسرى الاحتلال قتلهم مجرم الحرب نتنياهو وحكومته المتطرفة بصواريخ الطائرات الحربية والقنابل الأمريكية. ولعلّ العدو فهم رسائل المقاومة، التي انطوت بعضها على تحذير نتنياهو، الذي ظهرت صورته كمصاص دماء وسط منصة التسليم، والمطلوب للعدالة الدولية في حال قرر استئناف حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في غزة. وعلى أسطح الأبنية والبيوت المهدمة في محيط عملية التسليم في منطقة بني سهيلا في خان يونس، رفعت المقاومة لافتات تُذكّر بالكمائن التي كبدت جيش الاحتلال خسائر كبرى، من بينها كمين الفراحين الذي أوقع ثمانية قتلى من قوات الاحتلال. وفي إشارة للكمين، كتبت المقاومة: “لم يكن نزهة بل محرقة”.


وتحمل منطقة بني سهيلا خصوصية كبيرة، فقد اجتاحتها قوات الاحتلال لمدة أربعة أشهر على فترات، وقامت بنبش القبور وقتل فلسطينيين بحثاً عن جثامين أسرى “إسرائيليين”، لكنها عجزت عن العثور عليهم. وفي خطوة هامة وغير تقليدية تحمل رسائل سياسية وعسكرية واضحة، كشفت قناة كان العبرية أن كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، سلّمت جثامين الأسرى “الإسرائيليين” بتوابيت مغلقة، وأرسلت معها مفاتيح لا تطابق الأقفال، مما أثار تساؤلات حول مغزى هذا التصرف وما يحمله من دلالات في سياق الصراع الدائر بين فصائل المقاومة وقوات الاحتلال.


ومن خلال هذه الخطوة، التي توحي بسيطرة المقاومة الكاملة على مسار التبادل، وجهت حركة المقاومة الإسلامية “حماس” رسالة ضمنية إلى “إسرائيل”، مفادها أن المقاومة وحدها تملك مفتاح هذا الملف، وأن أي محاولة لفرض إملاءات من الاحتلال ستبوء بالفشل. فالاحتلال، الذي طالما ادّعى أنه هو من يحدد شروط أي صفقة، وجد نفسه يتلقى الأسرى وفقاً لشروط المقاومة وبتوقيتها الخاص.


لم يكن هذا التصرف مجرد خطأ تقني، بل كان إهانة مباشرة لجيش الاحتلال وحكومته، اللذين فشلا طوال الأشهر الماضية في استعادة أسراهم أحياء. فبعد كل عمليات البحث الاستخباراتي والهجمات الوحشية، انتهى الأمر بعودة الجنود في نعوش مغلقة، وبمفاتيح لا تعمل، وهو ما يعكس عجز الاحتلال عن تحقيق أهدافه، سواء عسكرياً أو تفاوضياً.


لا شك أن مع كل دفعة جديدة من الجثامين، يتزايد الغضب الشعبي “الإسرائيلي”، حيث يتهم أهالي الأسرى حكومة نتنياهو بالفشل في إدارة الحرب والتفاوض مع المقاومة. ومما يزيد الأزمة تعقيداً أن المرحلة الثانية من تبادل الأسرى لا تزال متعثرة بسبب تعنّت الاحتلال، ما يفتح الباب أمام المزيد من التوتر الداخلي.


هذه الخطوة من حركة “حماس” ليست مجرد جزء من تبادل الأسرى، بل هي استراتيجية محسوبة تهدف إلى إدارة الصراع النفسي والسياسي بدقة ومهارة. وفي الوقت الذي يواصل فيه الاحتلال عدوانه، يثبت الواقع أن المقاومة لم تعد فقط تقاتل على الأرض، بل تدير المعركة على كل المستويات، بما فيها الحرب النفسية.


لذلك، عند الحديث العالمي المتزايد عن تسليم جثامين الأسرى “الإسرائيليين” لدى غزة، يجب أن يُقابل ذلك بتذكير العالم بمعاناة الشعب الفلسطيني. فاحتجاز جثامين الشهداء الفلسطينيين لم يبدأ مع الحرب الحالية على قطاع غزة، بل هو قضية ممتدة على مدار التاريخ. وعلى كافة الجهات الدولية والمؤسسات الحقوقية الضغط على الاحتلال “الإسرائيلي” لتسليم جثامين الشهداء الفلسطينيين بما يليق بكراماتهم الوطنية والإنسانية، في ظل أساليب قمعية وغير إنسانية في التعامل مع الجثامين.

شارك

مقالات ذات صلة