مع بداية كل شهر رمضان تقول: هذا الشهر سيكون مختلفًا، سأغير فيه عاداتي، سأصبح أقرب من الله، سأحسن من جودة حياتي.
هكذا نتحدث جميعًا عند بداية كل رمضان، ومع مرور الأيام، نكتشف أن نفس العادات التي كنا نريد تغييرها قد عادت، وأن التغيير الذي وعدنا به أنفسنا لم يتحقق كما كنا نأمل.
أين الخلل؟ وكيف يمكن أن نغيّر حياتنا في هذا الشهر؟
هل نحن مستعدون؟
الواقع يؤكد أن الكثير منّا يقصر في شهر رمضان. لننظر في أنفسنا الآن: كيف يمكننا أن نستعد لرمضان؟ كيف نغير نوايانا ونركز على العبودية لله في كل لحظة من لحظات الشهر الكريم؟ إن الإعداد الروحي يتطلب منا أن نكون صادقين مع أنفسنا. إن هذا الشهر فرصة لجلسة صادقة مع النفس، يراجع فيها الإنسان نفسه، في ظل حياة يومية متسارعة.
تحسين العادات الصحية
بعيدًا عن كونه شهر العبادة، فشهر رمضان يمكننا أن نتحوّل فيه إلى أفضل نسخة صحية من أنفسنا. تظهر الدراسات أثر الصيام على الجسد، مثل تحسين صحة القلب، وتنظيم مستويات السكر في الدم، وتعزيز قدرة الجسم على التخلص من السموم. وإن كان الهدف من صيام رمضان هو التعبّد لله تبارك وتعالى، إلا أنه لا بأس من استشعار الفائدة الصحية كذلك.
وصحيح أنه مع مرور الأيام يتسرب إلينا الشعور بالتراخي، وتبدأ العادات الغذائية غير الصحية في التسلل إلى وجباتنا، وتكون الولائم الرمضانية محفّزة للإكثار من الأكل، لكن الصائم يملك قوة تعينه على تهذيب النفس، والخاسر من لم يستغلها.
التجديد الاجتماعي
لا تقتصر استعداداتنا على الجوانب الروحية والجسدية فحسب، بل يجب أن نركز أيضًا على الجانب الاجتماعي. فشهر رمضان هو الشهر الذي يلتم فيه شمل العائلة ويُعاد التواصل بين الأصدقاء والجيران. في مجتمعنا العربي، تتحول المساجد إلى مراكز اجتماعية يجتمع فيها المسلمون لأداء الصلوات، والتراويح، والذكر، وتبادل الأفكار والمشاعر. وفي المجتمعات العربية، يصبح رمضان فرصة لصلة الرحم، وهي خصلة تفتقدها الكثير من المجتمعات الغربية.
ننشغل أحيانًا بالأعمال اليومية لدرجة أننا ننسى الاعتناء بالعلاقات. لذا، يجب أن نخطط هذا العام لزيادة روابطنا الاجتماعية بشكل فعّال. من الممكن أن نخصص وقتًا لتقديم المساعدة للمحتاجين، أو مشاركة وجبة إفطار مع جار لم نلتقِ به منذ فترة. فهذه العادات تساهم في تعزيز روح المحبة والتكافل الاجتماعي التي يتحلى بها شهر رمضان، وهو الشهر الذي تزداد فيه أهمية الروابط الاجتماعية.
العبادة والتلاوة والصيام
من خلال الصيام، تتعلم النفس الصبر والتحكم، وتكتسب القوة لتجاوز الشهوات. في هذا الشهر المبارك، تُفتح أبواب السماء، وما أحسن أن تقرأ القرآن الكريم في هذه الأجواء.
في الليل، تتزين المساجد بالمصلين في صلاة التراويح، والناس يزدحمون لأداء الفروض والسنن، ويتمنون لو أن ليل رمضان لا ينقضي. في هذه اللحظات، يشعر المسلم بالقرب من ربه، يعانق روحه شعورٌ بالسلام الداخلي، وينقشع عن قلبه غبار الدنيا وهمومها. الصلوات في رمضان تصبح فرصة لإعادة بناء العلاقة مع الله، ومن يفوّتها فهو من الخاسرين. إن التغيير الروحي في رمضان لا يأتي من خلال الامتناع عن الطعام والشراب فقط، بل من خلال إصلاح النفس، وطهر القلب، وزيادة الارتباط بالله.
فرصة للتغيير
قبل أن نستقبل رمضان، يجب أن نتوقف ونسأل أنفسنا: هل نحن مستعدون حقًا لهذا الشهر؟ هل نُعد أنفسنا للتغيير على كافة الأصعدة؟ وهل سنصوم عن الأكل والشرب فقط؟