مدونات
للكاتب: عادل العوفي
أخيرًا، أميط اللثام عن الحقيقة الكامنة وراء التراجع المهول لنتائج فريق مانشستر سيتي الإنجليزي بعد الموسم الخيالي الذي بصم عليه العام الماضي، مما وضع الفيلسوف الإسباني بيب غوارديولا في وضعية صعبة، لخصتها لقطته الشهيرة بخدش وجهه متعمدًا وهو يرثي ما حل بفريقه المثخن والمرصع بالنجوم من شتى الجنسيات.
يقال إن “غلطة الشاطر بألف”، وذلك ما أثبته الفتى الذهبي الجديد للكرة المصرية عمر مرموش، المنتقل حديثًا صوب العملاق الإنجليزي أملًا في انتشاله من غفوته وإيقاظه من سباته العميق، الذي حوّله إلى ضحية يتلذذ الخصوم بافتراسها من باب رد الصاع صاعين وانتهاز الفرصة، فإذا هبّت رياحك فاغتنمها، وقد لا يتكرر مشهد ترنح السيتي ومدربه الداهية كثيرًا. لذلك، كان الجميع متحمسًا وجاهزًا بالمرصاد لتوجيه الضربات تلو الأخرى لكتيبة بيب.
عمر مرموش يكشف السر الدفين
نعم، بعد أن نجح في إحراز أول “هاتريك” في مسيرته الكروية، وأيضًا أول أهدافه بالقميص السماوي، لم يتوانَ مرموش في الكشف عن عشقه لأسطورة الكرة المصرية والنادي الأهلي، أمير القلوب محمد أبو تريكة، حيث صرّح في لقاء مباشر معه على قنوات “بي إن سبورتس” أنه قدوته ومثله الأعلى، ومن هذا المنطلق أصرّ على ارتداء القميص رقم 22 مع منتخب الفراعنة كدليل على حبه له.
هذا “الاعتراف” المدوي أحدث رجّة عنيفة في المحروسة إعلاميًا وسياسيًا، ومن هذا المنطلق انكشف السر الذي كان يجهله الجميع، والذي يلخص معاناة الفريق الإنجليزي هذا الموسم، الكامن في كونه “مخترقًا إخوانيًا”، وبأن لعنة هؤلاء حلّت بالنادي وأدت إلى تواضع نتائجه، وتقهقره للمركز الخامس، وأيضًا اضطراره للعب الملحق في دوري أبطال أوروبا رغم كونه بطل النسخة الأخيرة. ليس هذا فقط، بل أضحت هناك شكوك ملموسة حول علاقة المدرب الإسباني بتنظيم الإخوان المسلمين. والسؤال المطروح: كيف ظلّ السر متواريًا عن الجميع رغم أن “اللوك” الأخير له يحمل دلالات واضحة على ذلك؟
غوارديولا الإخواني
وكي نجد تفسيرات “منطقية” للواقعة، يكفي أن نعود لموقف غوارديولا المثير للشبهات خلال العدوان الصهيوني على قطاع غزة الصامد، حيث صرّح دون حياء ولا خجل في أحد المؤتمرات الصحفية:
“هذا العالم مليء بالظلم، كل شخص ينظر لمنزله فقط ويغض بصره عما يحدث لجاره. أنظر لما يحدث اليوم حول العالم، ونحن نجلس هنا لا نفعل لهم شيئًا. الظلم أمامك، أنت تشاهده بدون أي ردة فعل، ويومًا ما سيأتي إلينا.”
فماذا كان يقصد بهذا الكلام يا ترى؟
هنا دليل آخر أكثر كارثية، وهو المواقف الخاصة بابنته ماريا، التي تجاهر علنًا بدعم القضية الفلسطينية، وصفحاتها على السوشيال ميديا زاخرة بالبيانات والصور، حتى إنها أثناء احتفال والدها بتتويج فريقه العام الماضي بلقب الدوري الإنجليزي، لم تتوانَ في ارتداء الكوفية الفلسطينية وهي تقف بجانبه. فهل تريدون دلائل أخرى على تبني فيلسوف كرة القدم لآراء “الإخوان المسلمين”؟
لكن الأسئلة الملحة اليوم، وفي ظل انقشاع الغمة واتضاح الرؤية، هي: كيف سيتعاطى ملاك النادي الإنجليزي التابع لدولة الإمارات العربية المتحدة مع هذه المستجدات الحساسة، التي تهدد مكانة الفريق، وأيضًا تؤثر بالسلب على سمعته في القارة العجوز وبين منافسيه محليًا؟
بعيدًا عن الكوميديا السوداء
كانت هذه جولة ساخرة، واختصارًا للعقلية السائدة لدى بعض وسائل الإعلام الرسمية العربية عمومًا، التي تتنفس عشق نظريات المؤامرة، وحبك القصص السخيفة، ونسجها في سياقات مضحكة مسيئة للغاية. فبدل الاحتفال بوجود لاعب مصري عربي مكافح، تسلق سلم النجاح وثابر وقهر المطبات، منطلقًا من بلده صوب النجومية والعالمية، ليصبح نموذجًا يُحتذى به، لم يستسلم لكبوة البداية، وتحديدًا حين وصل ألمانيا وهو لا يتقن لغتها، مطالبًا بالانخراط في محيط جديد صعب ومعقد، لكنه قاوم وتحلى بعزيمة فولاذية، ونجح في كسب الرهان، بل والوصول لأكبر الأندية العالمية، وأضحى مطلبًا لأشهر مدربيها.
هذا النموذج يستحق الدعم والإشادة، لا تأليف الأكاذيب والإشاعات حوله، والسعي لتوريطه في نزاعات سياسية مقيتة. وهنا نختم بما كتبه يومًا الراحل الساخر المصري، عمنا جلال عامر، الذي وضع الإصبع على الجرح بنبرته الساحرة دائمًا:
“إذا أردت أن تضيع شعبًا، أشغله بغياب الأنبوبة وغياب البنزين، ثم غيب عقله، واخلط السياسة بالاقتصاد بالدين بالرياضة.”