مدونات

لماذا الصهاينة يكتمون ويُخفون الحقيقة؟

فبراير 19, 2025

لماذا الصهاينة يكتمون ويُخفون الحقيقة؟

للكاتب: ظاهر صالح


منذ نشأة الكيان الصهيوني الطارئ، تستخدم “إسرائيل” التعتيم والتكتيم الإعلامي كجزء أساسي من بنيتها واستراتيجيتها لتشكيل صورة ذهنية عن فكرة توطين اليهود في فلسطين، وإبعاد فكرة الوطن البديل في “بيروبيدجان”، التي تُعد أول دولة يهودية في العالم، توافد إليها اليهود من شتى بقاع الأرض وتجمعوا فيها، وقد منحها السوفيات لهم كحل لمشكلتهم في عام 1934، عقب ارتفاع موجة العداء لليهود في عموم أوروبا، وبخاصة ألمانيا. دفع تردي الأوضاع الاقتصادية للحكومة السوفياتية إلى استقطاب اليهود لدعم اقتصادها عبر استقبالهم ومنحهم أرضًا للاستقرار. لكن ازدحام السرديات الصهيونية، ودعمها بالسرديات الغربية المؤيدة لها، بالمصطلحات الزائفة، أخذ المتابعين إلى اعتقاد مضلل يُحرّف المعنى ويحصره في لعبة استخفاف بالعقول يُراد بها تضليل السياسيين واستدراج الإعلاميين وتسطيح الوعي الغربي.


إن محاولات التعتيم والتكتيم ليست مجرد تقييد للمعلومات، بل هي عملية مركبة وممنهجة تهدف إلى التحكم في نشر وتدفق المعلومات التي يريدون بثها وتعزيز الأهداف غير المعلنة بخصوص الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية برمتها. ولعل من أبرز هذه المحاولات التي حاربتها “إسرائيل” وعتمت عليها ما كشفته السيدة الليدي ميشيل رينوف، بأن جمهورية اليهود المسماة “بيروبيدجان” هي الوطن البديل، فيما لو أراد ساسة الكيان الصهيوني حل القضية الفلسطينية حلاً عادلاً وشاملاً.


قدمت ميشيل رينوف حلاً عبقريًا للقضية الفلسطينية، يقوم على إعطاء الشعب الفلسطيني أرضه التاريخية وحقوقه كاملة، وإعادة اليهود إلى جمهوريتهم التاريخية في “بيروبيدجان”. ويتساءل الصهيوني العنصري المتعصب: وهل للشعب الفلسطيني أرض تاريخية؟ فتجيب السيدة ميشيل رينوف: ليس هذا هو السؤال، ولعل لسان حالك يقول: وما هو السؤال إذن؟ تقول السيدة ميشيل: السؤال هو: وهل كان للشعب اليهودي دولة تاريخية أو وطن له وحده؟ وتجيب: نعم، لكن هذه الدولة ليست في فلسطين ولا في أي أرض عربية، بل في مكان آخر لا يحب الصهاينة ولا أي من حلفائهم الاستعماريين والعنصريين الحديث عنه.


تؤكد السيدة ميشيل أن “بيروبيدجان” تمثل الوطن الأول لليهود في العالم، وقد ظلت كذلك إلى أن ظهرت الفكرة الصهيونية بتوطين اليهود في فلسطين، فنجح الصهاينة في طمس ذكر جمهورية اليهود الأولى التي تأسست بطريقة سلمية، ودون حاجة لاغتصاب أراضي الفلسطينيين من سكانها الأصليين. وتدافع رينوف عن حل عودة اليهود إلى موطنهم الأول بحجج وبراهين تاريخية مدهشة لمن يسمع بها للمرة الأولى، وقد أسست لهذا الغرض منظمة تروج لهذا الحل بقوة وتحمل اسم “جمهورية اليهود”. لا تفوّت الليدي رينوف أي فرصة لنشر الفكرة المخفية إعلاميًا، وألقت العديد من المحاضرات والمداخلات حول هذا الحل المنطقي في محافل عدة، من بينها البرلمان البريطاني.


تتمثل رؤيتها للحل في عودة آمنة لليهود المقيمين في فلسطين إلى “بيروبيدجان”، حيث يمكنهم العيش بأمان وسلام دون أي معاداة للسامية، والاستمتاع بالثقافة اليهودية السائدة هناك، والتحدث باللغة اليديشية، على أن يتركوا فلسطين لسكانها العرب الأصليين. وتشير رينوف إلى أن الثقافة السائدة في “بيروبيدجان”، ومساحتها التي تعادل مساحة سويسرا، تسمح بهذا الحل العادل وإنهاء مأساة الفلسطينيين المشردين في أصقاع الأرض، حيث الكثافة السكانية فيها 14 نسمة/ميل مربع، مقابل 945 نسمة/ميل مربع في الكيان الصهيوني، و1728 نسمة/ميل مربع في الأراضي الفلسطينية.


وتؤكد رينوف أن جمهورية اليهود تأسست عام 1928 بدعم وتشجيع من يهود أمريكا أنفسهم، ممثلين في هيئة كان من أعضائها عالم الفيزياء اليهودي أينشتاين والكاتب الأمريكي المعروف غولدبرغ. ويذكر موقع ويكيبيديا أن جمهورية اليهود تأسست عام 1934، وتضم جالية يهودية كبيرة. في المقابل، يصر رئيس الوزراء الصهيوني خلال برنامج تلفزيوني حاجج فيه رينوف، بأن تلك الجمهورية مجرد رمز من رموز العهد الستاليني الذي اتسم بمعاداة السامية.


وترفض رينوف هذه المزاعم، وتوضح أن ستالين منح كل إثنية من إثنيات الاتحاد السوفياتي جمهورية خاصة بهم، ولم يقتصر الأمر على اليهود فقط، مما ينفي تهمة معاداة السامية. كما أن “بيروبيدجان” كانت ملاذًا آمنًا لليهود، فهاجر إليها الكثيرون من خارج الاتحاد السوفياتي، ووجدوا فيها الأمن والاستقرار. ولكن ظهور الصهيونية العنصرية وفكرة الاستحواذ على أرض الشعب الفلسطيني أدى إلى طمس هذا الحل العادل.


وتعتبر رينوف أن اليهود كذبوا عندما زعموا خلال الحرب العالمية الثانية أنهم في أمسّ الحاجة إلى أرض فلسطين كوطن لهم، في حين كان خيار “بيروبيدجان” متاحًا لهم دون الحاجة إلى تشريد الفلسطينيين والاستيلاء على أراضيهم. وتنتقد التعتيم الإعلامي المحكم على جمهورية اليهود. ومع تفكك الاتحاد السوفياتي، أصبحت كل إثنية مؤهلة لإعلان استقلال جمهوريتها، باستثناء “بيروبيدجان”، التي تثير هواجس “إسرائيل” باحتمال رفع الوعي العالمي بوجودها كأول جمهورية لليهود.


تقول رينوف لصحيفة “القدس العربي”: “الكثيرون لا يعرفون شيئًا عن هذه الحقيقة، والقليلون الذين تسنح لهم الفرصة ليستمعوا إليّ لا يصدقونني بسهولة، لكني مستعدة لتكريس ما تبقى من حياتي كي يصدقني العالم ويسعى لحل الصراع استنادًا إلى هذه الحقيقة”. ويصفها الإعلام الصهيوني بأنها من منكري الهولوكوست. وتضيف: “بإمكان الدول الـ191 الأعضاء في الأمم المتحدة أن تدعم هذا الحل دون خوف من أي اتهامات بمعاداة السامية، لأن سكان جمهورية اليهود يعيشون في أمان واطمئنان، ودون أي معاداة للسامية”.


خلاصة القول، لا نحتاج إلى مبادرات سلام ولا إلى قمم كثيرة، بل نحتاج إلى وحدة وطنية فلسطينية، والتفاف حول خيار المقاومة وحمايتها، والدفاع عن الأرض والحق الفلسطيني وعودة اللاجئين إلى وطنهم وديارهم، التي اقتُلعوا منها.

شارك

مقالات ذات صلة