هل سينجح ترمب بضرب أواخر المسامير في نعش القضية الفلسطينية وتهجير الفلسطينيين وإنهاء المقاومة كما يزعم؟ حتما لا أريد التقزيم منه ومن سطوته ومن هذا الخطر بأي حال. فحتما هذا وارد.
لكن في نفس الوقت، واجب علينا أن نتمسك بالأمل والمقاومة، وأيضا بالوعي ووضع الأمور في نصابها. في جولته الأولى للانتخابات الرئاسية، تعهد ترمب أنه سيبني جدارا “عظيما عظيما” سيعزل أمريكا عن المكسيك ليحول بين هجرة المكسيكيين إلى أمريكا، والأنكى من ذلك أنه سيجعل المكسيكيين أنفسهم يدفعوا ثمن الحائط. فهل نجح؟
بداية، لم يتمكن ترمب من إخضاع المكسيكيين ورفضوا دفع دولار واحد للجدار، فقام المواطنون الأمريكيون ببنائه بضرائبهم. أما ما تمكن من بنائه، فلم يتجاوز ربع الحدود المشتركة بين البلدين. وأما عن جزء “النجاح”، ففي عام واحد تم اختراق الجدار أكثر من أربعة آلاف مرة، أي بمعدل إحدى عشرة مرة في اليوم، ليكون الاختراق بين سقوط جزء من الجدار أو اجتياز له أو إنشاء نفق تحته.
كان الجدار فشلا ذريعا لدرجة أنه تم تناسيه وتناسي وعود هذا “الحائط العظيم العظيم” كأن لم تكن.
نعم، هذه القصة تبعث على الأمل، بأن أقوى رجل في أقوى إمبراطورية في التاريخ قد يعجز ويفشل في تحقيق وعوده. نعم، بإمكان دولنا العربية، مهما كانت ضعيفة، بالتصدي لهذا المخطط، سواء من ناحية أخلاقية، أو من ناحية أمن قومي. فإن لم تتمكن أمريكا من إخضاع دولة جوار وترهيبها، لماذا نسلم الأمر بأنه بإمكانه إخضاع العرب قاطبة، بقوتهم وجيوشهم وثرواتهم؟
ولكن، أخشى إن فشل هذه المرة، أن نسعد ونمرح بأن المخطط فشل اليوم، ونترك الغد للقدر كما تتركه دولنا، بينما يعكف الصهاينة والقوى الإمبريالية على العمل على السيطرة على دولنا وأراضينا وجيوشنا وقراراتنا ومقاومتنا وثرواتنا.
علينا أن ندرك جميعا أن القضية الفلسطينية هي قضية أمن قومي لنا جميعا. فأمريكا إمبراطورية يعزل بيننا وبينها محيطا. أما الكيان الصهيوني فهو إمبراطورية ناشئة في قلب أوطاننا، سيكون تحكمها بنا وإخضاعنا لها أسوأ بل وأسهل – مليون مرة- من سيطرة وسطوة الإمبراطورية الأمريكية وحدها.
لعل دولنا التي كانت تعيش في عالم “اللا لا” وتحلم بأن تنأى بنفسها عن القضية الفلسطينية أن تستوعب أنها إن نأت هي، فلن يَنأَ الخطر الإسرائيلي عنها. نحن العرب مرتبطون بجغرافيا وتاريخ، لن نستطيع التخلص منه والنجاة وحدنا مهما حاولنا. فإن لم يكن الدور علينا اليوم، فسيكون غدا. ومن لم ير البارحة، فهو يرى اليوم، ومن لم يفهم اليوم، فسيعلم حتما غدا.