سياسة

الخطة المصرية الأصلية

فبراير 17, 2025

الخطة المصرية الأصلية

قبل أن تفكر هذه السلطة في أي حلول أو وساطات، وهي التي خذلت الشعبين الفلسطيني والمصري في الوفاء بدورها المحوري باتخاذ أي موقع غير ذلك المشين المتفرج أو ذلك المتهاون مع الإبادة الجماعية لأكثر من عام ونصف وكأنه لا يعنيها. أي حلول الآن من دون معاقبة إسرائيل على جرائم اقترفتها، خاصة في جريمة الإبادة الجماعية “الثابتة عليها” تحديدًا منذ ١٠ أكتوبر ٢٠٢٣ هي كالحرث في البحر. لا يمكن الحديث باسم الشعب الفلسطيني الأبي، بعد ضربه أروع مثال على التمسك بالأرض والحقوق على مر السنين.


كانت مصر في جعبتها الكثير خاصة على المستوى الإنساني والقانوني، ودور الشقيقة الكبرى التي تتطلع كل شعوب المنطقة لمصر في انتظارها أن تقوم به على الوجه الأكمل هو أن تمارس كل الثقل، في مركزها وحنكة مفاوضيها لوقف العدوان أولا، ثم وقف الإبادة بكل وسيلة قانونية أو تفاوضية على خط عربي موحد وعلى قلب واحد في الجامعة العربية، انتهاء بمسار يختتم باستعادة حقوق الشعب الفلسطيني.


طالبت في بداية حرب إسرائيل على غزة أكتوبر ٢٠٢٣ في بيان أصدرناه في الحملة الرئاسية الموقوفة بخمس نقاط تمثل في مجملها رؤية واضحة كان من الممكن أن تجنب مصر والمنطقة أي حلول مفروضة أو تغولا لسلطة الأمر الواقع على الفلسطينيين. كانت كالتالي: ممارسة السيادة الكاملة على معبر رفح وفتحه بشكل دائم لإدخال المساعدات، والتصدي الحاسم لاعتداءات الاحتلال الإسرائيلي عليه، ودعم المقاومة والشعب الفلسطيني بكل ما يلزم، الرفض النهائي لتهجير الفلسطينيين من القطاع، السماح للمصريين بالتعبير عن تضامنهم والإفراج الفوري عن المعتقلين على ذمة قضايا دعم فلسطين، وأخيرًا طرد السفير الإسرائيلي واستدعاء السفير المصري من الكيان المحتل، والدعوة لاجتماع طارئ وفوري لجامعة الدول العربية على مستوى القمة.


لابد من إصلاح جذري في الدور الرسمي المصري لإعادة الهيبة والمكانة لمصر الشقيقة الكبرى لكل الدول العربية واللاعب الرئيسي في المنطقة الإفريقية والند الحقيقي للدول الغربية. هذا هو الحجم الحقيقي لمصر، وقد سحقته السلطة بالديون وبيع الأصول. لابد من استعادة هذه المكانة كي يصل صوت الشعب المصري الذي نجح في رفض التطبيع مع الكيان الصهيوني كما يغلي دمه ويصرخ داخليا بالمقاطعة لوقف الإبادة الجماعية. لن يستعيد المصريون الثقة في هذه السلطة ولو بعد ألف عام. هذه السلطة فقدت احترام شعبها في الداخل وفي ملفات لم تكن أبدا بعيدة عن الوجدان الأصيل للشعب المصري.


لابد من تغيير جذري للسلطة والمعارضة معا. كي يشعر الفلسطينيون بأنهم ليسوا وحدهم يجابهون الغل والتوحش الصهيوأمريكي لابد أن يكون للمواطن والطالب والعامل والموظف والمزارع والحرفي في مصر حرية الكلمة في حقوقهم كما في حقوق فلسطين. لا يمكن لمظاهرات مسيرة كما حدث في بداية الحرب أن تسير على هوى السلطة. من غير الطبيعي أن تقمع أي اصطفاف مع الحقوق الأصيلة لشعبك ثم تطلب من نفس الشعب التظاهر من أجل فلسطين على ألا تطالب بحقوقك في نفس المظاهرات المسيرة. من غير المنطق أن تعطي ضوءا أخضر للتظاهر ثم تعود وتحبس كل من تظاهر. هذه الازدواجية تسبب ارتباكا وستؤدي إلى كارثة. المعارضة التي تستجيب لهذه الدعوات لا بد من استبدالها بأخرى قادرة على التمييز بين أرض تكسبها وشراك تقع فيها.


لا يمكن أن ندفع بمواطنينا إلى التهلكة. أي إجراء يتنافى مع القانون أو الدستور هو إجراء مرفوض من جهتنا وقد كان خط حملتنا منذ البداية ولن يتغير. لكن حرية التعبير طالما سلمية ومكفولة بالدستور والقانون وتلتزم بالانضباط والعقلانية حتى في أوج الحماس فهي حق أصيل لكل مواطن في هذا الوطن ولن نتخلى عنه. أنظر إلى انتفاضات الشعوب حول العالم من أجل فلسطين ويعتريني حزن شديد، فكيف يأتي الأثر الأكبر من دولة مثل جنوب أفريقيا ويأتي تأثيرها الواعي وموقفها الثابت دائما لتحدث الحراك الحقيقي قانونيا أمام المحكمة الجنائية الدولية ومن أمريكا الجنوبية وبعض برلمانات من دول أخرى، وتظاهرات الجامعات، بينما يوضع أبناؤنا في السجون من أجل لافتة يرفعونها سلميا من أجل فلسطين. عار علينا أن يكون هذا دور مصر، مهما تظاهرت هذه السلطة بأنها ستقدم حلولا. الحل يبدأ من الداخل، فإذا استقام الداخل، استقام حال الجميع.

شارك

مقالات ذات صلة