سياسة

التهجير: محاولات قديمة وفشل مستمر

فبراير 13, 2025

التهجير: محاولات قديمة وفشل مستمر

أثار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مؤخراً ضجة واسعة بتصريحه الذي لا يخلو من استهتار عندما أعلن عن رغبته في تهجير أهل غزة إلى مصر والأردن. ورغم أن التصريح صدر في أجواء سياسية متوترة، إلا أنه ليس بالأمر الجديد، بل هو استمرار لمحاولات قديمة تنبع من نفس العقلية التي ترى في البشر مجرد أرقام ولا قيمة لهم خارج معادلات السياسة الكبرى.

 

دعونا نتوقف لحظة عند هذه الفكرة “البسيطة” التي طرحها ترامب: تهجير مليونَي إنسان يعيشون في القطاع المحاصر إلى دولتين شقيقتين، الأردن ومصر، كما لو أن غزّة قطعة أرض لا تاريخ لها، ولا نضال، ولا هوية، ولا شعب. هل أصبح من الطبيعي الترويج لهذه الكارثة الإنسانية؟ ولماذا لم يستنكر العالم الدعوة العلنية بالتطهير العرقي؟

 

وإذا كانت هذه الفكرة قد أثارت موجة من الغضب على مستوى العالم، فإن ما يجب أن نلفت النظر إليه هنا هو أن هذا الاقتراح لا يشكل سوى حلقة أخرى في سلسلة محاولات تهجير سابقة فشلت جميعها. فهل ما زال ترامب يعتقد أن التاريخ يمكن أن يعيد نفسه، وأن الحروب التي خاضها أهل غزة من أجل أرضهم وحريتهم يمكن أن تُمحى؟

 

محاولات قديمة

قد يظن البعض أن ترامب هو مبتكر فكرة تهجير أهل غزة، ولكن الحقيقة أن هذه الفكرة لم تكن وليدة اليوم. فقد نشأت مثل هذه الأطروحات منذ سنوات عديدة، وكان هناك العديد من المحاولات التي هدفت إلى إفراغ القطاع من سكانه واستبدالهم. منذ أن فرضت حروب الكيان على غزة حصارها، تعالت الأصوات التي تحلم بتهجير أهل غزة إلى الأماكن المجاورة. تاريخياً، نجد أن تهجير الفلسطينيين كان أحد الأهداف المركزية للصهيونية منذ مطلع القرن العشرين.

هل كانت غزة هي الاستثناء؟ طبعاً لا. خلال حرب 1948، وبعد النكبة، كان من أبرز الأهداف إفراغ قطاع غزة من سكانه. ثم تكررت المحاولات في سنوات لاحقة، حيث سعى الاحتلال إلى تغيير التركيبة السكانية عبر قصف البيوت وقتل الأبرياء وهدم المدارس ونسف القطاع الصحي وتدمير البنية التحتية. لكن ماذا كانت النتيجة؟ صمود أهل غزة. على الرغم من القصف والدمار والمجازر، تمسّك الفلسطينيون بحقهم في العودة إلى أراضيهم. ولم تقتصر تلك المحاولات على الأنظمة السياسية فقط، بل إن أصحاب الخطط “البديلة” المزعومة، سواء كانوا أوروبيين أم أمريكيين، فشلوا جميعاً في حمل فكرة التهجير هذه.

 

صمود غزة

غزة، رغم حصارها، ورغم المعاناة التي يعيشها أهلها، هي قلعة صمود عصية على كل محاولات التهجير. لو كان ترامب قد درس تاريخ المنطقة جيداً، لعلم أن غزة لم تكن يوماً مجرد قطعة أرض بلا ذاكرة أو هوية. إن تاريخ غزة هو تاريخ صمود طويل، ليس فقط أمام الاحتلال، بل أمام محاولات محو الهوية.

منذ العام 1948، كانت غزة واحدة من الوجهات التي لجأ إليها الفلسطينيون، وظلّت المحافظة على الهوية الفلسطينية أحد القيم المركزية التي سعى الفلسطينيون إلى الحفاظ عليها. وتاريخ غزة مليء بالحكايات عن صمود الأهل هناك في مواجهة مختلف المحاولات لتغيير معالم المنطقة السكانية.

 

من الذي يريد تهجير من؟

أغرب ما في تصريح ترامب هو ذلك التناقض الواضح بين رغباته والواقع الفعلي. ففي الوقت الذي كان فيه يتحدث عن تهجير أهل غزة إلى الأردن ومصر، كان التاريخ يعرض أمامه صوراً من التضحية والعزيمة. فهل كان يعتقد ترامب أن سكان غزة سيشهرون أيديهم بالبيعة والعطاء ليهاجروا إلى أماكن أخرى؟ هل حقاً كان يظن أن الفلسطينيين سيرضون بأن يصبحوا “لاجئين” مرة أخرى، بعد أن ناضلوا لعقود للحفاظ على هويتهم وحقوقهم في أرضهم؟

 

المستقبل

إن محاولات التهجير لن تجلب إلا المزيد من الرفض والصمود، ويبدو أن هذه الحلقة من التاريخ ستُكتب على أنها فشلت في إزالة غزة من الذاكرة السياسية والجغرافية للعالم. تحارب غزّة اليوم نيابةً عن العالم كله، أمام كيان ينوي التوسّع والتمدّد، والحل يكمن في إعادة إعمار القِطاع حتى يحظى أهله بحياة كريمة تعينهم على هذه المواجهة.

شارك

مقالات ذات صلة