مدونات

رسالة إلى العالم: غزة لن تُهَجَّر!

فبراير 11, 2025

رسالة إلى العالم: غزة لن تُهَجَّر!

للكاتب: عبد الرحمن حسنيوي


“حتى الطيور في غزة تمتلك جناحين ولا تهاجر”— هذا ما كُتب على إحدى الجدران المهدمة بفعل صواريخ الاحتلال الإسرائيلي.


إلى أصحاب القرار، إلى من يسمعون صدى معاناتنا في كل مكان، إلى من يظنون أن كلماتهم قد تُغير الأقدار، أكتب لكم هذه التدوينة من قلبٍ لا يهدأ، من روحٍ محطمة، ومن عينين غارقتين في بحار الدموع. أكتب لكم وأنا أحمل بين يديَّ وجعًا لا ينتهي، ونبضًا لا يتوقف، لأنني أرى شيئًا خطيرًا يُخطط له، شيئًا يهزّ أعماق الإنسانية ويخالف أبسط المبادئ الأخلاقية.

أكتب لكم لأن الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، تجرأ على إصدار تصريحات لا تُصدق، يدعو فيها إلى تهجير مئات الآلاف من سكان قطاع غزة إلى دول أخرى تحت مسمى “إعادة التوطين”. هذه الكلمات والقرارات بمثابة جريمة كبرى في حق شعب بأسره، في حق الفلسطينيين الذين لم يتوقفوا يومًا عن الدفاع عن أرضهم وكرامتهم طوال عقود طويلة. قد تبدو هذه الدعوة للبعض مجرد فكرة بعيدة المنال، لكنها تمثل تهديدًا وجوديًا لشعب كامل، واعتداءً صارخًا على حقه في البقاء على أرضه.


غزة ليست مجرد منطقة جغرافية عابرة، بل هي رمز للمقاومة والصمود والثبات. هي الكرامة التي لا تموت، هي الذاكرة التي لا تُمحى، وهي صوت المظلومين الذين رفعوا لواء الحق منذ النكبة وحتى اليوم. من يظن أن تهجير أهلها سيجعلهم يقبلون بما يُفرض عليهم، فهو لا يعرف شيئًا عن طبيعة هذا الشعب الذي صمد في وجه كل المحن. غزة هي الرفض، هي الكبرياء، هي الروح التي تأبى الانكسار.

كيف يُمكن للغزيين أن يرحلوا؟ كيف لهم أن يبتعدوا عن الجدران التي شهدت على صرخاتهم؟ كيف لهم أن يتركوا التربة التي احتضنت أجساد شهدائهم؟ هل يعلم العالم أن أهالي غزة، رغم الحروب المتكررة والقصف المستمر، يعودون إلى بيوتهم المدمرة، يعيدون بناءها بأيدٍ صامدة؟ نعم، أكثر من نصف مليون غزي عادوا إلى منازلهم بعد إعلان هدنة، رغم الدمار الذي لحق بها، لأن الأرض بالنسبة لهم ليست مجرد تربة، بل هي الحياة، الهوية، والتاريخ.


الغريب أن ترامب ومن معه يظنون أن بعض التصريحات السطحية قد تُغير مصير شعب بأكمله، وكأن غزة مجرد قطعة أرض تُباع وتشترى. لكنهم ينسون أن الأرض لا تُباع، والكرامة لا تُسلب، والشعب الفلسطيني لا يركع لأحد. غزة، مهما حاولوا، ستظل قلبًا نابضًا في جسد فلسطين.

أما الأمة العربية، فقد أظهرت موقفًا حاسمًا في رفض هذا المخطط، إذ أعلنت دول مثل مصر والأردن والسعودية والمغرب رفضها القاطع له، إدراكًا منها لخطورة تداعياته. ومع ذلك، يبقى السؤال: ماذا عن المجتمع الدولي؟ هل سيظل صامتًا أمام هذا العدوان الجديد؟ هل ستقبل الأمم المتحدة، التي أكدت مرارًا أن التهجير القسري جريمة ضد الإنسانية، بأن تمر مثل هذه التصريحات دون ردٍّ حازم؟


إن مخطط التهجير لا يتوقف عند ترحيل الفلسطينيين، بل يهدف إلى إعادة رسم خارطة المنطقة بما يخدم أطماع الاحتلال. ترامب، كما فعل مع القدس والجولان، يسعى لفرض واقع جديد بالقوة، متجاهلًا الحقوق والعدالة. لكن الفلسطينيين في غزة، رغم كل الجراح، لا يزالون صامدين في وجه هذا المخطط، لأن غزة بالنسبة لهم ليست مجرد مكان، بل هي عنوان الكرامة.

في النهاية، أقول للعالم: غزة لن تُهجَّر، وفلسطين لن تُسلب. غزة ليست للبيع، وفلسطين ليست مزادًا. فليعلم الجميع أن المال والسلطة لن يسلبا شعبًا من حقه في أرضه. غزة، في كل يوم، تثبت أنها لا تستسلم، وستظل نبضًا عربيًا حيًا، لن يطأه أي مخطط غادر.

شارك

مقالات ذات صلة