سياسة

ترمب ينظف العالم من الزوائد البشرية!!

فبراير 11, 2025

ترمب ينظف العالم من الزوائد البشرية!!

من على مكتبه في البيت الأبيض، خط دونالد ترمب بحبره الأسود مسار الانحراف بالإنسانية وقطع ما تبقى من صراط الاستقامة المتهشم أصلا، فجاهر بممارسة رذيلة الطرد والقلع والتهجير، ورسم فاحشة استعمار جديد مشرعنا لنفسه حق التملك والتحكم بالأرض وأهلها كما لو كانت عقارا خاصا أو مشاعا طوعته له صكوك التاريخ والجغرافيا.


بابتسامة صفراء صارح عدسات الصحفيين، ثمة ازدحام في بعض الأماكن غير القابلة للحياة وعليه فليرحل هؤلاء إلى أماكن أخرى، نعاني طفرة بشرية وزوائد لا حاجة ولا مكان لها، بهذه البساطة يتلو المستعمرون الجدد أوامر الرحيل والسطو على بقاع تلبي أطماعهم وما على العالم من حولهم سوى تقديم فروض الطاعة.


عملية تفريغ فلسطين من شعبها ليست حدثا وليدا، إنما حلقة جديدة في مسلسل قديم تتوالى فصوله منذ عقود مع قيام الصهيونية العالمية وتعاقب الحكومات والإدارات الأمريكية والغربية المختلفة، والذي يتصاعد بطبيعة الحال مع تقاعس الرادع الوحيد المتمثل بدور عربي غائب ودولي متواطئ، وحدهم أهل الأرض يرسمون بأرواحهم وأجسادهم تيارا معاكسا، تيار الإنسان العائد إلى ركام مكانه وأشيائه، ينصب الخيمة ويبرم عقدا متجددا مع الجذور الضاربة في الأرض.


يدرك ترمب ذلك بلا شك لكنه ينظر بعين التاجر الذي يدون حسابات الربح والأسهم ويلعب على أوتار الشعبوية المتأججة بين أتباعه ومناصريه، هؤلاء جميعهم تحولوا إلى مجموعة ذئاب قابضة على خناق الحياة في شرقنا الأوسط، وتتلاعب بماضينا وحاضرنا كما لو كنا بيادق من حجر لا روح لنا.


هم يجهلون سر ارتباطنا وعشقنا بأرضنا وبفلسطين، المكان الذي حفر قداسته في أعماقنا، وتلك البقعة المترامية بيننا إلى حد العناد. فلكل منا حصته، يمسك شعوب المنطقة وغيرهم من غيارى هذه الأمة كل بطرف، وفلسطين تلملم الأطراف جميعا وتلملم الحروف والكلمات وتبقى.


على وقع التهديد والوعيد، تتداعى الاتصالات هذه الأيام ومعها لقاءات الغرف المغلقة وصور الغمز واللمز بين أهل السياسة والدبلوماسية، إذ تدرك الأنظمة العربية الراهنة أن الموضوع لن يقتصر على غزة والضفة الغربية فحسب، وأن استقبال المهجرين ليست مهمة مصر والأردن فقط، بل هو إعصار سيجرف الجميع، وبما أن زمن اللاءات ولى وحاضرنا يفتك به وباء الخنوع وطأطأة الرؤوس، يصبح الخوف مبررا وتدخل المنطقة دائرة الخطر بلا منازع.


وعلى وقع رأسمالية متوحشة ونفوذ قلة تتحكم بمدخرات الأمم أعلنت أمتنا انفصالها عن فلسفات العقل وصلوات الأديان وعقدت قرانها على امبراطورية المال حيث القوة لها وحدها ولأصحابها الممسكين بمفاتيح الثروة ولأرباب النهب العام المدعومين بإعلام وخبراء بارعون بإقناع البسطاء والجائعين بأن المال وحده يصنع الوجود ويرسم معالم الصفقات الكبرى والصغرى وما على الجمهور سوى رفع الأيدي وشكر الله على أصحاب النعمة، أما من يتمرد رافضا أو ثائرا فيسحق قتلا وتدميرا وتجويعا والويل له من شر مستطير يصبح معه البكاء والتسول والتشرد طقوسه اليومية ولا حول له سوى إحصاء رأسماله المتصاعد في عداد الشهداء والأيتام والأرامل والمعذبين، و في أحسن الأحوال  يلاقيه  أمثال ترمب بحلول ملغومة قوامها التهجير والعيش بأماكن أكثر أمنا كما هو مطلوب الآن من أهل غزة والضفة ومن سيلحق بركبهم.

 

كم نحن بحاجة إلى من يصحح المشوه والمحرف والمضلل مما خطته أقلام الغرباء وفق مصالحها وتناست وقائعنا المحفورة في الصخر والتراب والعمارة والأشجار، وغاب عن بالها أن إمكانية التلاعب بالتاريخ يصطدم غالبا بحتمية الجغرافيا، وأن اقتلاع البيوت من مكانها وإلقاء حمم القذائف على رؤوس قاطنيها  لن يفلح بالقضاء على شواهد ناطقة تحوم بين جدرانها أرواح الأباء والأجداد.


ترمب ليس سوى أحد قطاع الطرق الذين عبروا ومروا، وأداؤه الاستعراضي هذا ليس سوى نزوة استعمارية ستتلاشى سريعا على أعتاب من يقدمون أرواحهم ودمائهم حفاظا على الديار فلن تصير فلسطين إسرائيل ولن تخلع الأرض من أهلها جيلا بعد جيل، وأن تكون فلسطينيا، أو لبنانيا أو سوريا أو أردنيا أو من أي جنسية عربية يعني أن تنظر في المرآة فترى ملامح أرضك وهويتك العصية على التجريف والطمس، أن ترى الثوابت والتقاليد والأعراف من أهازيج ومراثي ورقصات وملبس ومأكل ومشرب وعند كل هذا يسقط المستورد والمستعار.

 

ينتشي ترمب آمرا ناهيا، يوزع الفلسطينيين، يطرد آخرين، يبني إمبراطورية أحلامه، لكن كما في كل مرة  ستنتفض الشعوب المقهورة من بين كتل الدمار، سترمم بعضها وتشد أوتاد خيمة جديدة وسيدرك الأعداء أن جلودنا تتغير ونبقى، تتغير عروش حكامنا ونبقى ويغادر بعضنا إلى المنافي ونبقى وأن الحياة في بلادنا وفي شرقنا لا تصمت ولا تطبق جفونها، فالموت ولادة، والشهادة زغرودة عز وافتخار، والصباحات أنشودة تخرج من شفاه الضوء، وقتامة اللحظة ستنتهي لدينا بعرس، وذاك سر يعجز ترمب وأمثاله عن إدراكه وإدراك ذاك العشق الممنوع مع سنابل القمح  وعناقيد العنب وأغصان الزيتون التي كلما ارتوت دموعا ودماء نمت وأثمرت مثيرة الشبهة والحيرة!!

شارك

مقالات ذات صلة