ترامب وألفونسو السادس وملوك الطوائف: هل يكون الهجوم على الشرق طريقًا إلى السقوط؟
يبدو أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد دخل معترك السياسة الخارجية، برؤية تصادمية تجاه الشرق الأوسط في تصريحاته المثيرة والمرعبة ، متبنّيًا نهجًا قائمًا على الضغط والمواجهة لتحقيق أهدافه الاستراتيجية، غير أن هذا المسار، رغم ما حمله من طموحات بالهيمنة وإعادة تشكيل موازين القوى خصوصا في منطقة الشرق الأوسط ، إلا أنه قد يصطدم بتعقيدات الواقع السياسي والتوازنات الإقليمية هنا، في بلاد العرب والشرق، وقد يؤدي إلى نتائج لن تكون دائمًا في صالحه، بل ستخلق تحديات غير متوقعة من خلال اختناق الأنظمة العربية بين سطوة القوى الغربية وبين انهيار الثقة مع شعوبهم، وهل ستصبر تلك الانظمة مع الاختناق أم تنفجر؟!
وعلى مرّ التاريخ، ظهر قادة سياسيون حملوا طموحات توسعية مماثلة، ليجدوا أنفسهم في مواجهة عقبات حالت دون تحقيق تطلعاتهم، ومن بين هؤلاء الملك ألفونسو السادس (1039-1109م)، الذي سعى لإخضاع الأندلس وفرض سيطرته على أراضي المسلمين، مستغلًا ضعف ممالك الطوائف، لكنه اصطدم بأمرين غير متوقعين وهما: قوة جديدة في الساحة السياسية تمثّلت في المرابطين، الذين قلبوا موازين القوى وأوقفوا تقدّمه والأمر الآخر هو تصالح الانظمة الحاكمة مع شعوبها واستفاقتها من سكرتها و رضوخها أمام العدو.
فقد كان ألفونسو السادس ملك قشتالة وليون قائدًا لا يكتفي بإدارة مملكته، بل طمح إلى التوسع على حساب المسلمين في الأندلس، مستغلًا حالة التفكك بين ملوك الطوائف، ففرض عليهم الجزية وأخضع بعضهم لنفوذه، وتمكّن من الاستيلاء على طليطلة عام 1085م، في واحدة من أكبر الخسائر التي مُني بها العرب والمسلمين في الأندلس، غير أن سياسته العدائية دفعت ملوك الطوائف الى التصالح مع شعوبهم وفتح صفحة جديدة والمضي إلى الاستنجاد بالمرابطين، الذين قادوا حملة قوية بقيادة يوسف بن تاشفين وتحالف كبير مع قيادات ملوك الطوائف الذين كانوا بالأمس القريب متخاذلين، وانتهت بهزيمة ساحقة لألفونسو في معركة الزلاقة عام 1086م.
ترامب اليوم تبنّى نهجًا تصادميًا مع الشرق، مستخدمًا خطابًا شعبويًا قائمًا على تصوير الاسلام كمنظومة ارهابية والعالم الإسلامي والشرق الأوسط كمصدر تهديد، فقام بالتلويح بسن عقوبات قاسية على دول المنطقة، وكما سعى لفرض صفقة القرن لتغيير ميزان القوى في القضية الفلسطينية، يسعى حاليا للدفع نحو ترحيل الغزاويين من غزة وإخلاء أرضها للكيان الصهيوني.
فالسؤال الآن.. هل ستخضع دول الشرق الاوسط لمعادلات ترامب السياسية دون مقاومة؟ أم أن الأيام حبلى بمصير كمصير مشروع ألفونسو الذي تفاجئ بعد ان كان يعتقد أن ملوك الطوائف سيسقطون بسهولة دون تدخل قوة خارجية؟
ترامب رجل سياسي ورجل أعمال يعلم أن فكرة استغلال الانقسامات تحدث لعدوه ضعفا وتزيده قوة، فهو حريص على زيادة الانقسامات داخل العالم العربي والإسلامي لتعزيز نفوذ إسرائيل، ومع موقفنا ورأينا كشعوب عربية أن أنظمتنا قد لا تملك أو تجرؤ على الرد، إلا أنه قد يكون لسعي ترامب في مشروعه شرارة تشعل في نفوس انظمتنا العربية ما أحدثه ألفونسو في أنفس ملوك الطوائف، ومن يدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا.