سياسة

الوجه الآخر للعرجاني – العراب. من أين لك هذا؟

فبراير 7, 2025

الوجه الآخر للعرجاني – العراب. من أين لك هذا؟

القصاص

نقطة ملتبسة جدا في حياة إبراهيم العرجاني؛ خبرٌ رسميٌ على التلفزيون المصري ٢٠٠٨ وصحف السلطة. الخبر عنوانه نصا ”مقتل بدويين على يد الشرطة يُشعل سيناء“. متن الخبر كالتالي ”أطلقت الشرطة المصرية النار على بدويين من المتظاهرين مما أدى إلى مصرعهما فى الحال. الأول يدعى أحمد العرجانى (٢٨ عاماً) من قبيلة الترابين، والثانى مروان أبو جميل (٣٠ عاماً) من قبيلة الرياشات. مقتل البدويين أدى إلى تجمع آلاف الأفراد من القبائل البدوية التى بدأت تزحف على الحدود من وسط سيناء للتعبير عن غضبها، وطالبت بالقصاص من القتلة.“

 

”من النهاردة مفيش حكومة“

خبرٌ آخر فادح. ”البدو: من النهاردة مفيش حكومة“. متْنُه أشرت إليه في مقالي السابق عن ارتداد إبراهيم العرجاني بجثة أخيه من القمامة إلى الحدود الإسرائيلية “لرفع حالة الاستنفار الأمني الإسرائيلي على الجانب الآخر من الحدود“. لا تندهشوا. هذه رواية الصحف الحكومية. تمهلوا قليلا. كان للمشهد قصاصٌ، ومستطيرُ الرد ووعيدٌ فَتَح الجحيم على العرجاني الطريد “اختطاف ٥١ من رجال الأمن وسط سيناء“. اعتبر المنفذون بحسب المصادر الحكومية أن المختطفين “رهائن“.


لا تنسوا أن الكر والفر في سيناء بدأ قبل ذلك بنحو أربعة أعوام  – بعد فترة من الهدوء النسبي بانتهاء التسعينيات الصاخبة بين الجهاد الراديكالي والداخلية والمراجعات –  عاد بعمليات في أكتوبر ٢٠٠٤ بسلسلة تفجيرات متزامنة بسيارة ملغومة على فندق هيلتون طابا (٢٠٠ متر من معبر كفر أبو سالم بين مصر وإسرائيل)، أوقع ٣٠ قتيلا وعشرات الجرحى معظمهم إسرائيليون. ثم بعد حملة أمنية عنيفة ومداهمات كبرى على القبائل في سيناء، جاءت سلسلة ثانية من التفجيرات المتزامنة في مدينة شرم الشيخ. ثم ثالثة في ٢٠٠٥ أوقعت ١٠٠ قتيل و٢٠٠ مصاب. أعلن ”تنظيم القاعدة في بلاد الشام وأرض الكنانة“ المسؤولية. ثم هجوم آخر ٢٠٠٦ في دهب بجنوب سيناء قتل وأصاب عشرات السائحين. وقتها فقط تأكدت القيادات في القاهرة أن تنظيما حقيقيا كبيرا يعمل في سيناء. فتوعدوا السيناوية بتلقينهم درس حياتهم معتبرين إياهم إما حاضنة شعبية للتنظيم، أو بوابة مرور له.

 

حسن راتب والعرجاني – علاقةٌ مسممة

قبل التحقيق الوازن للموقف المصري عن شراكةٍ جديدةٍ عُقدت فور الإفراج عن حسن راتب مع إبراهيم العرجاني ٢٠٢٤، كنت أجمع تفاصيل العلاقة المسممة بينهما قبل ٢٠٠٧. العرجاني عمل وهو طريد الدولة في مصنع حسن راتب في ٢٠٠٧، وقد كان الأخير أسطولا للشركات ”المحصنة“ في سيناء؛ يعمل تحت عين الدولة في ذلك الوقت، قبل أن تتولى المخابرات العسكرية من شقيقتها العامة ملفّ شبه الجزيرة. مصنع سيناء للإسمنت الأبيض، وسما سيناء للاستثمار العقاري، ومؤسسة سيناء للتنمية الاجتماعية، وسيناء للتنمية العقارية، والشركة المصرية للسياحة، كانت أذرع الدولة لمشاريع عملاقة يملكها راتب باتفاق ”ما“ يُبقي الأمور تحت السيطرة. كل ذلك طبعا لم يكن لسيناء الحقيقية وأبنائها نصيبٌ منه.


بعد مشهد الحدود المصرية الإسرائيلية والثأر الذي لا تنساه الذئاب أبدا، أدركت المخابرات أن الحل الأمني ”وحده“ لن يجدي مع القبائل خصوصا الثلاثة السالف ذكرهم. فقررت الاستعانة بسلاح آخر؛ فصل الرجال الثلاثة، كسر النمط، زرع الفتنة. كانت المرة الأولى التي تلجأ فيها المخابرات والمؤسسة العسكرية إلى سلاح الترغيب؛ حسن راتب رجلها التايكون الصناعي في سيناء، باب النعيم الذي سيعقد صفقة توهمهم الأمان وتطوق إبراهيم العرجاني وسالم أبو لافي وموسى الدلح ثلاثتهم معا.

 

عُقد الاجتماع ٢٠٠٨ تحت رعاية حسن راتب والجيش والمخابرات المصرية

ولم يطل الحال، اعتُقل وحبس العرجاني ولافي، هُرّب لافي بحيلة أثناء نقله سبق وأن ذكرتُ ترتيب أحداثها المقال الفائت، بينما خرج العرجاني في ٢٠١٠. اليوم السابع كتبت ”كشْف أسرار القبض على العرجاني وسالم أبو لافي“. آخر متن هذا العنوان جملة لافتة جدا للمدققين؛ ”يذكر أن العرجانى و لافى كانا من المتعاونين مع الأمن قبل اعتقالهما”.

جريدة ”الدستور“، وَضَعْ من فضلك تحت ولاءات الجريدة خطيْن سميكيْن، كتبت عنوانا: بعد سنين: ”«الاختيار».. إعادة الاعتبار لأبناء سيناء.. «لافى» و«العرجانى» على سبيل المثال“. ثم المتن النثري جدا. اقرؤا ما بين السطور: ”من ضمن الأشياء الجميلة التى يحققها مسلسل «الاختيار» أنه يعيد الاعتبار لأبناء سيناء، ويقدم صورة لدورهم الذى قاموا به فى لحظة حرجة من عمر الوطن، معظم الناس لا يعرف شيئًا، ومن يعرف كان كلامه قليلًا”..

حسن راتب على ما يبدو عاند ”كبيرَهُ“ الذي تركه يدير شركاته في ”أمان“ بأخطاء ساذجة. آخرها كان رفضه في ٢٠٢١ بيع جامعة سيناء باعتبارها من ”أصوله“ تنويها بأنها ليست من أصول ”الغطاء السيادي“. بعد أسبوع، قُبض على حسن راتب وألقي به في السجن وتحفظت النيابة على أصول وممتلكات راتب باتهامه بتمويل عمليات غير مشروعة ”بالتنقيب عن الآثار“. وأيد الحكم عليه بالسجن ٢٠٢١.

ضمن ١٣ شركة كبرى الآن يملكها ويديرها إبراهيم العرجاني، فضلا عن إعلان السيسي العرجاني رئيسا لاتحاد القبائل في سيناء وجزءا من حملته الرئاسية، يملك العرجاني و المؤسسة العسكرية المصرية معظم أسهم هاتين الجامعتين بعد فصلهما ٢٠٢٤.

 

من أين لك هذا؟

العرجاني بدأ سائقَ سياراتٍ للأجرة، ثم سائق شاحنات صغيرة باليومية. إذا قفزنا من هذه البداية، ثم محاولات ترويضه بالعمل في أحد مصانع حسن راتب في ٢٠٠٧ بعد عملية خطف الجنود ثم مشهد الحدود ٢٠٠٨ ثم سجنه وخروجه من السجن ٢٠١٠، يجب أن نتوقف عند لحظة بعينها لنسأل من أين لك هذا؟

٢٠١٥،  بدايةٌ شبهُ منطقيةٍ لثراء العرجاني. بدايةٌ كان وقتَها مسؤولا عن الشؤون المالية لاتحاد قبائل سيناء الذي أعلن رسميا في ٢٠١٧.

السؤال المشروع هنا: هل كانت قبائل سيناء بأكلمها، التي ثارت وانتفضت واستُهدفت لسنوات على استبعادها من أي استثمار تنموي من الدولة، أو لضمها لأي مشروعات مستدامة في شبه الجزيرة أو أصول تمويلية؟ هل ”اتحاد قبائل سيناء“ نفسه بعد المصالحة وظهور العرجاني إلى جانب عبد الفتاح السيسي هبطت عليه ثروة مليارية من السماء؟ أم من تحت الأرض؟ أم من جهة أخرى؟ أم أن الإثراء لا يأتي إلا بالأمر المباشر؟ من الله طبعا.. فهو قادر على كل شيء.

 

الذئب المغدور

الاطمئنان المرحلي والمستقبل الواعد، خطأٌ وقع فيه مُقربُون كثيرون السنوات الفائتة. مقامرة خطرة للغاية أن تقترب وتطمئن؛ لا يجب أن تصدق فيه نفسك أبدا! أن يصور لك خيالك المريض أنك ”حاجة“! وتظن أن لك في كينونتك قيمة! أنا ”اللي عملتك“! ”وقادر أخفيك“ جمل سمعناها كثيرا في الأفلام لست أدري لو تحمل مبالغة.


لما أعلنت القوات المسلحة على لسان المتحدثين باسمها (علنا في بث مباشر) عن حجم التسليح المرعب بحوزة ”تنظيم ولاية سيناء“ وعلى صفحات الجيش المصري قال المتحدث الرسمي إن الجيش استعان بأبناء القبائل وسلحهم لأن الجيش وصل لمرحلة حرجة في محاربته التنظيم، كان لافتا أن يهاجم ”تنظيم ولاية سيناء“ في ٢٠١٥ منزل العرجاني وأن يدمره انتقاما للقتال إلى جانب المؤسسة العسكرية المصرية التي كان العرجاني حتى سنوات قليلة فائتة هو نفسه طريدها وخاطف جنودها، بل ولجأ للحدود مع إسرائيل يطلب اللجوء. ما عزز انتباه الصحافة الغربية مقال من عشرات في ٧ أغسطس ٢٠١٥  جاء فيه ”البدو يحذرون: هناك خونة بيننا“.

 

صافي وهبة والعراب – صفقة رفح

كان قرار تفريغ مثلث رفح – العريش – الشيخ زويد عسيرا جدا، فحتى الأمس القريب كان الثأر والجحيم يطارد القبائل، والشررُ المستطير يطارد العرجاني ورفيقيه وغيرهم كثيرين من قبل كل أجهزة الأمن والجيش في المثلث ذاته. اختلفت موازين القوى بعد الاستعانة بأبناء القبائل دون تسمية  قبيلة بعينها كي لا تُستهدف من ”تنظيم ولاية سيناء“، إلا الترابين؛ حاضنة العرجاني، فقد حضرت لقاءا شديد الخطورة. طُلب من الترابين  إخلاءُ رفح.

يُطلب من قبيلة ذاقت الويل الآن بعد أن خاضت هول الحرب كميليشيا مسلحة في صف دولةٍ لطالما حاصرتها وشنت الغارات الأمنية على أبنائها. تطلب منها نفسُ الدولة بعد أن قدمت الترابين أبناءها أن تخلي منازلها أيضا؛ أن تفرغ رفح المصرية. كان لابد من وسيط.

اختارت الدولة صافي وهبة. صهر السيسي وتايكون يفوق حسن راتب الوسيط القديم الذي أكلته النسور. وهبة، مالك ومدير مجموعة الصافي خرج من شرنقة القز كرجل أعمال غني إلى الفراشة المخملية كأحد أثرى أثرياء مصر بعد أن تحولت ”الصافي جروب“ إلى الوكيل (الاحتكاري) لصفقة توريد الحاسب اللوحي (التابلت) للمدارس. ”عُين“ بقرار من وزير الصناعة رئيسا للجانب المصري في مجلس الأعمال المصري الكويتي. أصبح رئيس مجلس إدارة شركة النيل لحلج الأقطان ٢٠٢٠. شارك وهبة العرجاني في مجموعة الغانم الكويتية لاحتكار توكيل BMW. وكُتِب أكثرُ من تحقيق لم أجد مصادر مستقلة لإرضاء ضميري أرتكن إليها تحدثت عن شراكات له مباشِرة مع المخابرات.

تمت الصفقة. على الفور أعلنت الدولة المصرية أنها تعتزم ”توسعة المنطقة العازلة مع غزة“ تعني طبعا رفح ثم العريش فالشيخ زويد. الصفقة كانت واضحة؛ تفريغ رفح لتمشيط المنطقة من أي خلايا نائمة من “تنظيم ولاية سيناء” والتأكد من عدم تسلل أي عناصر جديدة من ”رفح الفلسطينية“. لكن الاتفاق على ما يبدو لم ينفذ كما اتُفق عليه.

دعوني أقُل إن المرحلة الثانية وحدَها من الصفقة التي كان يُفترض تنفيذُها بين طرفين مستفيديْن كانت في الرابع من ديسمبر ٢٠١٤ (عامٌ ذي دلالة سياسية مهمة). إذ دوت الانفجارات في رفح حتى إنها سُمعت في مدينة العريش. بدأ الجيش في ”تفجير“ المنازل في رفح لبناء المنطقة العازلة. بهذا

التوقيت وصل التفريغ والإخلاء إلى عمق ٥٠٠ متر بين رفح المصرية والفلسطينية بطول ١٤ كيلومترا. ٦٨٠ منزلا أُخلوا، من بينها ١٢٢ هدموا لتفجير أنفاق تصل الفصائل الفلسطينية إلى جوارها. (تصريحات رسمية لمحافظ شمال سيناء عبد الفتاح حتحور). أضاف المسؤول أنه تم تعويض ٢٩٠ عائلة بإجمالي ٩٧ مليون جنيه. بحلول الحادي والثلاثين من ديسمبر ٢٠١٤ كانت ١١٠٠ عائلة قد رُحّلت قسريا.

 

مغانم العراب

في الأراضي التي فُرغت وأُمر سكانها بالنزوح وحتى هذه اللحظة يناضلون من أجل ”حق العودة“ التي وُعدوا بها بعد القضاء على “تنظيم ولاية سيناء” منذ ٢٠١٤ وقد حُبس بعضُهم منذ أيام فائتة. احتكر عرابُ هذا الاتفاق بتفريغ رفح – العريش – الشيخ زويد مكافأة على إتمام الاتفاق بوساطة صافي وهبة التالي:

  • الإسمنت في إعمار المنطقة.
  • حديد التسليح.
  • شبكات بناء الطرق.
  • أراضي المنازل المهدمة.
  • الاحتفاظ بعناصره التي قاتلت إلى جانب قوات الدولة ضد ”تنظيم ولاية سيناء“ ميليشيا ”فرسان الهيثم“ المسلحة.
  • الحق في التفاوض على حق العودة لأبناء سيناء باعتباره ”رئيس اتحاد القبائل“.
  • تأسيس شركة إيتو للحراسات الأمنية الخاصة. (ميليشيا أمن خاص أيضا مسلحة).

الإمبراطورية

يحتكر العرجاني بمفرده شركتين اثنتين لفرض الرسوم على الأشخاص والبضائع ”المسموح“ لهم بالعبور من وإلى غزة. الرسوم مرعبة، والموافقات أمنية بين هنا، وهناك، في مناطق لم يكن يُسمح حتى لديناصورات الاستثمار في حقبة مبارك المساس بها:

  • ملف تعمير سيناء؛ تحتكره شركة سيناء للتشييد والبناء (أو هذا ما يبدو).
  • إيتوس – شركة ”أمنية خاصة“. المقال السابق.
  • توكيل سيارات BMW حصريا.
  • شركة أبناء سيناء لنقل البضائع من وإلى قطاع غزة حكرا.
  • شركة هلا لنقل النازحين الفلسطينيين من وإلى قطاع غزة حكرا.
  • شركة جلوبال أوتو.
  • الوكيل الرسمي للتسويق للفريق الأول لكرة القدم بالنادي المصري البورسعيدي.
  • مجموعة ضخمة من الشركات الاستثمارية ”العرجاني جروب“.
  • وكيل مشارك في رعاية النادي الأهلي المصري.
  • شريك في الشركة السعودية المصرية للتعمير ( أرابيسك)

 

الفانوس السحري

ترى أيُّ مصباحٍ هذا الذي فركه العرجاني لتهبط عليه المليارات التي حققت حلمه بأن يكون أحد أوجه الحكم في الجمهورية الجديدة؟ وكيف تضمن هذه السلطة ولاءه؟ أي ذراع يؤلمه في أيديهم؟ وهل ذئبٌ له ثأرٌ مثل إبراهيم العرجاني بعد كل ما مر به وهذه الدورة الكاملة من الارتطام والهبوط على قدميه التي باتت تَرُجُّ الأرض بأسطولٍ مسلح يُلْوََ له ذراع؟ أم أن حسابات هذه السلطة كما في كل شيئ آخر تستعلي بالقوة والعزة تأخذها؟ الثابت من ملاحظاتنا ألا عزيز لهم. سنرى..


الأهم من هذه الحِسبة التي لا يبدو فيها تعقيدٌ، أن إبراهيم العرجاني على الأرجح يعلم هذا جيدا. بل وجربه مرة واثنتين. ولم يدفن جثة أخيه من القمامة وفي عينه سماحة. ولن يحدث أبدا. فما الذي في عينه الآن لو ارتفع كعبه على ”صُنّاعِه وأولياءِ نعمه الكثيرة“؟ والأسوأ؛ ماذا يدور في عقل هذا الذئب النافر في صحراء سيناء منذ صباه طريدا ومهددا، وهو يعلم أن الجمهورية الجديدة كلها باتت على حافة الخطر في التغير المفجع في توازنات المنطقة والانقضاض على المقاومة ومحور إيران، وماجرى مؤخرا في سورية؟ أوامر ترمب بتصفية القضية الفلسطينية وتوزيع شعبها على مصر والأردن لن تقف هنا ولا تحلها تصريحات. كل ذلك العرجاني يراه كما برعت عشيرته في الوقوف للعواصف الرملية وقراءة النجوم.. العرجاني يعرف.. فماذا يخطط العراب ياترى..

شارك

مقالات ذات صلة