مدونات
للكاتب: عادل العوفي
هل نسيتم قصة الأسد المغوار أبو جندل؟
بعد أن تجرع الهزيمة المرة في قطاع غزة الأبي، يحاول الكيان الصهيوني ترميم معنويات جيشه المنهار هذه الأيام من خلال الاستهداف المتواصل لقلعة الصمود جنين ومخيمها العصي على الانكسار عبر ما أسماه عملية “السور الحديدي”. هذه الخطوة الجبانة جعلتنا نعود بالذاكرة للوراء قليلًا ونتذكر بطولات الشعب الفلسطيني في نفس المخيم خلال الاجتياح الشهير له سنة 2002 بأوامر من السفاح أرييل شارون وزمرته مثل شاؤول موفاز والبقية الذين أطلقوا حينها عملية “السور الواقي”.
ولعل من أهم القصص الجديرة بأن تروى من جيل إلى آخر تلك التي سطرها البطل الفلسطيني يوسف أحمد ريحان الملقب بـ “أبو جندل” الذي أقسم ألا يغادر المخيم، وظل صامدًا مقاومًا حتى الرمق الأخير.
من أحراش قرية يعبُد وطيف عز الدين القسام
وُلِد يوسف في قرية يعبُد جنوب جنين بتاريخ 12/5/1965م لعائلةٍ متدينةٍ، حيث تربَّى في كنفها على حبِّ وطنِهِ والوفاء لدينهِ وشعبه، وكان يتردد مع أصدقائه في طفولته على أحراش القرية حيث استشهد عز الدين القسام، وظلت قصته حاضرة في وجدانه ومخيلته. لقبته عائلته ومحيطه من الأصدقاء بـ “أبو جندل” نسبة إلى الصحابي أبو جندل بن سهيل.
في مدارس القرية أنهى يوسف ريحان دراسته الابتدائية والإعدادية وحصل على الأول الثانوي، ليغادر القرية متوجهًا صوب العاصمة الأردنية عمان، حيث أنهى تعليمه المهني في معهد البوليتكنك الصناعي قسم الكهرباء. وبعد انتهاء دراسته التحق بقوات جيش التحرير الفلسطيني، ومن ثم انتقل للعمل ضمن وحدات الجيش في سوريا، حيث حصل على دورة عسكرية في المدفعية، ليتوجه بعدها صوب لبنان، لينضم للثورة الفلسطينية خلال الاجتياح الصهيوني عام 1982، حيث تسلم قيادة مجموعة “أطفال الآر.بي.جي” في مخيم الرشيدية.
خبرة المنافي ومواجهة العدو وجهًا لوجه
قاد أبو جندل العديد من العمليات ضد قوات الاحتلال الصهيوني في لبنان، ونفذ هجمات نوعية مؤلمة للعدو. وخلال إحدى المهمات أصيب في صدره بجراح خطيرة في أماكن مختلفة من جسده، وعثرت عليه قوة من الكتائب المسيحية اللبنانية ونقلته لأحد المستشفيات حيث تم احتجازه، قبل أن يتم تهريبه إلى سوريا بمساعدة فتاة فلسطينية كانت تعمل في بعثة منظمة الصليب الأحمر الدولي.
استقر أبو جندل في سوريا لفترة قصيرة، لينتقل بعدها إلى العراق حيث انضم لقوات “عين جالوت” وتولى قيادة أحد معسكرات التدريب، ليقرر الذهاب إلى الأردن مجددًا لكنه تعرض للاعتقال هناك لمدة ثمانية أشهر، قبل أن يقرر الزواج بعدها من إحدى قريباته، ويعودا معًا إلى فلسطين سنة 1994.
أبو جندل المطلوب رقم 1
كانت المحطة الأولى في مشوار أبو جندل النضالي في أريحا، حيث تولى موقع مدرب لمجموعات قوات الأمن الوطني، وبعدها انتقل إلى بيت لحم متسلمًا قيادة القوة التنفيذية لتلك القوات، حيث ظل هناك لفترة من الزمن قبل أن يعود إلى جنين بعد اتهامه من قوات الاحتلال بقتل أحد جنودها وإصابة آخرين في اشتباك مسلح في محيط مسجد بلال بن رباح، وطلبت من السلطة الفلسطينية تسليمه بشكل رسمي، وقوبل طلبها بالرفض حينها.
واتهم الكيان الصهيوني أبو جندل أيضًا بقتل مسؤول الارتباط العسكري خلال اشتباكات مسلحة مع العدو سنة 1996، بالإضافة إلى لائحة أخرى من الاتهامات المشرفة بحق الرجل الذي شغل مهام متعددة في صفوف قوات الأمن الوطني، ونفذ سلسلة عمليات مختلفة تزامنًا مع اندلاع شرارة الانتفاضة، ليتحول إلى أهم المطلوبين لدى العدو.
التصدي للاجتياح
ومنذ الإعلان الصهيوني عن عملية “السور الواقي” وحشده للآليات الثقيلة على مشارف مخيم جنين، ظل القائد الفلسطيني مواظبًا على إعداد مجموعة من المقاتلين وشباب المخيم المتطوعين الذين وضعوا أنفسهم تحت إمرته للتصدي للجيش الصهيوني.
ومن الأسماء المعروفة التي اصطفت معه في المعركة نذكر الشهيدين محمود طوالبة، القيادي البارز في سرايا القدس، وزياد العامر، قائد كتائب شهداء الأقصى، حيث شكلوا مجموعات وخطوطًا دفاعية لمواجهة الغزو.
النصر أو الشهادة
ومن المواقف العظيمة التي يتذكرها أهل المخيم، حين تقدمت بعض النساء من أبو جندل طالبات منه التنكر بزي نسائي كي ينجح في الخروج بعيدًا عن أعين جيش الاحتلال، ورغم إصرارهن، رفض كل توسلاتهن متمسكًا بزيه العسكري الذي رفض خلعه حتى ينال الشهادة.
وبالفعل، نال مراده فجر يوم الأحد 14/3/2002، حيث استشهد يوسف أحمد ريحان وسط مخيم جنين، إعدامًا بالرصاص بعد دخول قوات الاحتلال. ولعل ما يكشف بجلاء أنه ظل كابوسًا يخيفهم، إصرار هؤلاء الجنود على التقاط صور له بعد رحيله ابتهاجًا بذلك.
ولعل من أشهر مقولات أبو جندل، حواره الذائع الصيت مع أحد ضباط الاحتلال عند مدخل بيت لحم الشمالي، حيث صرخ في وجهه:
“إذا أطلقت رصاصة واحدة على الأطفال سأطلق 100 رصاصة