مدونات
للكاتب: ظاهر صالح
بعد أكثر من 30 عامًا من العمل الجهادي والمقاوم، أعلن الناطق العسكري باسم كتائب القسام، أبو عبيدة، نبأ استشهاد قائد هيئة أركان كتائب القسام، محمد الضيف “أبو خالد”، هذا القائد المعروف بندرة الكلام والظهور. ويقال إنه حصل على لقب “الضيف” لأنه لا يقيم في مكان واحد أكثر من يوم بسبب مطاردة الاحتلال له.
محمد الضيف، صاحب الحكايات التي تستنفر وجداننا، وتحفر في ذاكرتنا العميقة وذاكرة الأجيال، هو قائد استثنائي جمع بين قلة الأقوال وكثرة الأفعال. نودع اليوم أسطورة حقيقية لا نظير لها.
محمد الضيف الذي لا يزال اسمه يتردد على ألسنة العالم ويملأ الأسماع، يرعب الأعداء من “مسافة الصفر”، فمَن هو القائد “محمد الضيف”؟
وُلِد محمد الضيف في مخيم خان يونس للاجئين جنوب قطاع غزة لعائلة فلسطينية لاجئة من قرية القبيبة قضاء المجدل في الداخل المحتل. نشأ في بيئة متواضعة وعاش معاناة الفلسطينيين تحت الاحتلال، مما شكَّل وعيه السياسي في سن مبكرة.
التحق بالجامعة الإسلامية في غزة ودرس العلوم، لكنه انخرط سريعًا في صفوف حركة حماس خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى (1987-1993). تدرج في العمل المقاوم ضمن كتائب القسام، حيث كان من أوائل المنضمين للجناح العسكري، واشتهر بمهاراته في الإعداد والتخطيط العسكري.
يُعَد محمد الضيف أحد العقول المدبرة لتطوير قدرات المقاومة الفلسطينية، حيث قاد عمليات نوعية ضد الاحتلال الإسرائيلي، وكان له دور أساسي في تطوير الصناعات العسكرية المحلية لكتائب القسام، بما في ذلك الصواريخ بعيدة المدى والأنفاق الهجومية.
تعرض محمد الضيف لأكثر من خمس محاولات اغتيال من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، لكنه نجا منها جميعًا، مما زاد من غموض شخصيته وأسطورته في الشارع الفلسطيني والعربي. أدت إحدى المحاولات إلى إصابته بجروح بالغة، وتداولت تقارير غير مؤكدة عن فقدانه لأحد أطرافه أو إصابته بإعاقات دائمة، لكن ذلك لم يمنعه من مواصلة قيادة القسام بقبضة حديدية.
يعد محمد الضيف أحد أكثر القادة الفلسطينيين سريةً وغموضًا، حيث لم يظهر علنًا منذ سنوات طويلة، وتُستخدم صوره القديمة فقط في وسائل الإعلام. لا توجد معلومات دقيقة عن مكان وجوده أو تحركاته، ويُعرف بلقب “الشبح” بسبب اختفائه الدائم عن أعين الاحتلال وأجهزة المخابرات.
يتمتع الضيف بشعبية واسعة في الأوساط الفلسطينية والعربية، إذ يُنظر إليه كرمز للمقاومة والثبات، خاصة بعد الإخفاقات المتكررة للاحتلال في اغتياله أو كسر شوكة كتائب القسام تحت قيادته.
في 30 يناير 2025، أعلنت كتائب القسام على لسان ناطقها العسكري، أبو عبيدة، استشهاد القائد محمد الضيف إلى جانب عدد من كبار قادة المقاومة، في ضربة كبيرة للمقاومة الفلسطينية. ورغم ذلك، أكد البيان أن المقاومة لن تتوقف، وستواصل مسيرتها حتى تحرير فلسطين.
رحل الضيف جسدًا، لكنه ترك إرثًا كبيرًا في العمل المقاوم، حيث ساهم في بناء منظومة عسكرية متطورة أصبحت اليوم كابوسًا حقيقيًا للاحتلال الإسرائيلي.
رحل محمد الضيف، ضيفًا إلى ربه، راضيًا مرضيًا، مجاهدًا قدم كل ما يملك في سبيل الله، وها هو يختم حياته شهيدًا مقبلًا غير مدبر.
يبقى محمد الضيف شخصية استثنائية في تاريخ المقاومة الفلسطينية، حيث جسّد معاني التضحية والصمود، واستطاع أن يقود واحدة من أقوى حركات المقاومة ضد الاحتلال.
اغتيال القائد محمد الضيف وإخوانه لن يكون نهاية المعركة، بل قد يكون بداية لمرحلة جديدة من المواجهة، حيث ستظل أسماؤهم محفورة في ذاكرة الفلسطينيين جيلاً بعد جيل.