القانون ميزان ضبط العقد الاجتماعي بين السلطة والمجتمع والقانون لبناء أو النهوض بدولة لها مرجعية يَرُدُّ لها الجميع. لطالما فكرت ودرست وناقشت مفهوم دولة القانون. بالضبط الذي لا يمس الكرامة الإنسانية للفرد وفي الوقت ذاته يحمي المجتمع. كيف يتفاعل الطرفان في وطن واحد بمعيار عادل وبضوابط متكافئة القوة.
لما وجهت رسالة مباشرة للدولة كنت بالتحديد أقصد سلطة الدولة؛ السلطة التي نحملها جميعا مسؤولية إنفاذ القانون على كل مواطن من رئيس الدولة إلى المواطن الذي يُشتبه في ارتكابه مخالفة بسيطة للغاية يشتبه ”القانون“ أن تحقيقًا أو إجراءً يلزمان لها إن ثبت ارتكابها.
الجهات التشريعية في مصر لابد أن تفكر بيدها الثابتة حال صياغة التشريعات والقوانين أنها تسن حرفا قد يكون ميزان حياة أو موت لإنسان يعيش تحت قبة بلد بحجم مصر. القانون فيه قديم قدم الزمن. فما بالك بمن يناقش دقة هذا القانون وعواره، وقد ناقشت عشرات القوانين في لجان البرلمان الخاصة والعامة، وما بالك بمن سينفذ هذا القانون على منصة القضاء أو مقعد النيابة أو منصة المحامين، أو الأكثر خطورة وحساسية، ما بالك بمن سيكون وراء السياج في قفص الاتهام وجمهور يرتشف روح القانون وعدالته إذ أمام منصتها الكل سواء.
أزمة حقيقية أشعر بحزن شديد بسببها وخطر يتوجب إيجاد حلول جذرية وعاجلة لها. هذه الأزمة بالتأكيد تكونت في الضمير الجمعي للمصريين نتاجا لما رأوه من أداء السلطة في السنوات العشر الأخيرة أفقدتهم الثقة في القانون وفي عدالة القانون وهنا الأخطر الكامن في الأمر. أن يفقد المواطنون الثقة بالقانون يعني أنهم لا يثقون بأنه الحل الناجع أو الناجز لأزمات المجتمع خصوصا المعقدة، لذلك نرى منها القدر اليسير في الريف في الجلسات العرفية. لكن أن يفقد المواطنون أو كما نخشى الجماهير، جموع الشعب الثقة في عدالة القانون، يعني أن العقد الاجتماعي بين السلطة والشعب قد انتفى.
الأصل في القانون أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته. فحتى الاشتباه في مواطن لأي سبب محدد وله قرائن وبني على غير الترصد وتحريات الأمن الوطني المغرضة معظم الوقت أو الوشاية من جار أو من قريب أو بعيد لا يكفي لتتردد أجهزة الأمن لاستهداف المواطن مستخدمة يده الثقيلة على الناس واستدعائهم للتحقيق. قانون الإجراءات الجنائية يفصل ويحمي المواطن عن العقاب المنصوص عليه في قانون العقوبات ويضمن حق المواطن أن يعامل بكرامة وإنسانية وكل خطواته الإجرائية وليس للعقاب ويُرجأ لحين يُدان هذا المواطن في مسار منضبط أساسه ليس الحبس وإنما إجراءات احترازية أخرى، في مدى زمني واضح لا يرهق المواطنين ولا يتلاعب بسمعتهم لم تقع فيه أي أخطاء أو تجاوزات ولا من باب الشك، ساعتها فقط يمكن للقضاء تحديد عقوبة مناسبة بمعايير تميزها روح القانون وتنفذ بلا تنكيل ولا إضرار غير متكافئ القوة أو الدرجة بحجم الجرم تماما.
لكي يكون العقد الاجتماعي في مصر كما نأمل أن نراه، تبقى العدالة إجرائيا وفلسفيا وإنسانيا روحا حية للقانون. والقانون يستحيل تطبيقه للعدالة الحقيقية التي لا تفرق بين ابن العامل وابن الموظف وابن الرئيس أو ابن رجل الأعمال أو اليتيم، إلا بأن يبقى المواطن صاحب الحق والأولوية حتى لو كان مذنبا فعلا. له حقوق لو يمكن إسقاطها واستبعادها لأنه أذنب.
بالتأكيد حماية السلم المجتمعي وتطبيق العدالة ومعاقبة المذنبين الذين تعدوا على المجتمع مرة أو مرات هي غاية المنال من كتابة القانون بالأساس، لكن العدالة ترتكز على قدمين.
المواطن يبقى مواطنا وإنسانا، يؤدي ما عليه للمجتمع ويؤدي القانون ما للمواطن أيا ما كان المواطن. التأهيل أمرٌ حساس ومستهدفه بنّاء وينبغي ضبطه بمقدار معياري لجميع المحكومين كي لا يتحول لتنكيل يدنو بكرامة الإنسان ويفسد تأهيله ويحوله إلى مجرم عتيد يجور على المجتمع ويزدري القانون الذي أفضى به للأذى والهوان، بينما تساهل وغض عينه وكفتيه عن ابن الباشا وابن البيه. حينها ينفصم المجتمع وينقسم وتغيب روح العدالة، وينفرط العقد ويضيع المجتمع الذي من أجله وُضع القانون.