يقول الحكماء قديمًا: “العدو الصريح خير من الصديق المزيف”. هذه المقولة التي تعبر عن الحكمة في مواجهة العداء بوضوح، حيث يُفضل معرفة العدو الحقيقي بدلاً من التعامل مع صديق يخفي عداوته تحت ستار الصداقة.
فالعدو الصريح وهو حالة متجذرة في التاريخ البشري وتذكر في عالم التعاملات الانسانية والسياسة العلاقاتية، ويعبر عن طرف يُنظر إليه بوضوح كخصم مباشر أو تهديد ظاهر دون لبس أو غموض.
فمنذ فجر الحضارات الإنسانية، حيث ارتبطت القبائل والمجتمعات البشرية بمصالح مشتركة واعتبرت أي طرف خارجي يشكل تهديداً لهذه المصالح عدواً. فعلى سبيل المثال، كان الفُرس والروم يُنظر إليهم كأعداء صريحين لبعضهم البعض بسبب الاختلافات الثقافية والطموحات التوسعية، وفي السياق الإسلامي، عُرِّف العدو الصريح في بعض المراحل التاريخية بالكيانات التي قاومت انتشار الإسلام، مثل قريش في بدايات الدعوة الإسلامية أو الحملات الصليبية في العصور الوسطى.
إلا أن الحديث عن مفهوم العدو الصريح لم يكن دائماً واضح الحدود، فقد تغير مع الزمن ومع تعقيد العلاقات الدولية. العدو قد يتحول إلى شريك أو حليف إذا ما دعت الضرورة، كما حدث بين بعض القوى الإسلامية والصليبية في فترات تاريخية لتحقيق أهداف مشتركة.
وعندما نغوص في السياسة الحديثة، يستمر مفهوم العدو الصريح في تشكيل العلاقات الدولية ووضع اطارات غير ثابتة لها، وخاصة في سياق التنافسات الإقليمية والعالمية. فالعدو اليوم يمكن أن يكون دولة، منظمة، أو حتى أيديولوجية، ففي الحرب الباردة، مثّل الاتحاد السوفيتي العدو الصريح للولايات المتحدة وحلفائها، حيث جرى توصيفه كتهديد مباشر للقيم الديمقراطية والاقتصاد الرأسمالي.
ومع تصاعد الإرهاب العالمي في العقود الأخيرة، أصبح “العدو الصريح” أكثر تعقيداً وغير محدد المعالم. فقد أصبح العدو يمثل أيديولوجيات وأفراداً وجماعات وليس دولاً فقط، مما أدى إلى تغيير جذري في كيفية فهم الصراعات وتعامل الدول معها ووصلت أي طرق مسدودة وطرائق معقدة.
وحتى نقترب من خصائص العدو الصريح، نجد أنه يتميز بالوضوح ويُعلن عن عدائه، سواء من خلال تصريحاته أو أفعاله، و يميل الى التهديد المباشر لمصالح الطرف الآخر، سواء كان تهديداً عسكرياً، اقتصادياً، أو ثقافياً. و غالباً ما يكون هناك اختلاف جوهري في الأيديولوجيات أو المصالح بين الطرفين، مما يجعل العداء أمراً صعب التجاوز، و يسعى العدو الصريح الى بناء الحشد الجماهيري، وعادة ما يُستغل هذا الأمر مفهوم لتبرير السياسات العدائية ولكسب الأصوات المؤيدة .
ولا ننسى أن الإعلام لعب دوراً بارزاً في ترسيخ صورة العدو الصريح في أذهان الشعوب، فالأوصاف والمفردات المستخدمة، مثل “العدو الغاشم” أو “التهديد الداهم” و” الشيطان الاكبر ” ، تسهم في تكوين صورة ذهنية سلبية ، فهذا البعد الإعلامي يعزز من قبول الصراعات أو الحروب بين الأطراف.
ومع استلام الرئيس الأمريكي الجديد للسلطة وهو دونالد ترامب نجد أنه يُجسد مفهوم العدو الصريح في السياسة الحديثة بأسلوبه المباشر وتصريحاته الحادة التي تعكس مواجهة مفتوحة مع الخصوم ، فاعتمد في نهجه على تقليل الغموض، سواء في الداخل تجاه معارضيه السياسيين، أو في الخارج تجاه دول مثل الصين وإيران والسعودية، ومرتكزاً على مبدأ “أمريكا أولاً”.
هذه السياسة الفكرية الترامبية قامت على الوضوح والصدام بدلاً من الدبلوماسية التقليدية، مما عزز الاستقطاب وأعاد تعريف العلاقات الدولية وفق رؤية صارمة تحت مظلة “العدو الصريح “.