مدونات

من انتصر في الحرب؟

يناير 23, 2025

من انتصر في الحرب؟

لو أن رجلاً قال إن الجزائريين خسروا الحرب، وإن السوريين أضاعوا أرواحهم، وإن الفيتناميون تهوّروا عندما قاوموا، سيتهمه الناس بالجنون، إذ أن هذه التضحيات أثمرت عن التحرير. لكن لماذا لا ننظر إلى غزّة بنفس الطريقة؟

من الذي انتصر؟

منذ الإعلان عن وقف إطلاق النار في غزّة، أصبح الحوار الدارج في مواقع التواصل الاجتماعي يدور حول المنتصر في هذه الحرب. البعض يقول إن غزّة انتصرت بثباتها، والبعض الآخر يقول إن الاحتلال حقق أهدافه. أكتب هذه المقالة بهدف تسليط الضوء على بعض زوايا هذا الملف.


جدوى المقاومة

ربما ينسى البعض جدوى المقاومة أصلاً، أو يتناساها عمداً، وهذه إشكالية كبرى. إذ أن التاريخ يظهر لنا أهمية مقاومة الاحتلال وعدم الرضوخ له، وإلا لم تتحرر أي دولة من المحتل. في لحظات الضعف، يصبح الجميع منظّراً في السياسة، ويلوم الطرف الأضعف الذي قاوم، فأين الإنصاف في ذلك؟

في ظل جرائم الاحتلال في غزّة، وإعلانه نية التوسّع في الشرق الأوسط، واستيلائه على المظاهر الدينية الإسلامية، وسلبه للأراضي والمنازل الفلسطينية، لا يوجد خيار آخر غير المقاومة والدفع. لا يتردد الكيان في إعلان نيته بإبادة أهل غزّة، فكيف يصبح اللوم على من قاوم لا من اعتدى؟


جدوى الحديث

وقد ذهب البعض إلى نقطة أبعد من جدوى المقاومة على الميدان، واعترض على جدوى النشر عن القضية الفلسطينية في وسائل التواصل الاجتماعي. يتصوّر هؤلاء أن التغيير لا يكون إلا بالأفعال، وينسى أنه لا يوجد فعل من دون كلمة تقنع وتحفّز. الكلمة في هذا السياق تصبح أول مرحلة للتغيير.

ولا شك عندي أن الإنسان مطالب بأن يعمل في المساحة التي يقدر عليها، وعن النبي ﷺ: “من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان.”

وإذا شعر الإنسان أن قلبه صار يألف الظلم فليراجع نفسه، إذ أن اعتياد مشاهدة الظلم دون استنكار تورث القلب قسوة، فلا يتأثر الإنسان بما يراه من ظلم، ويفقد استشعاره بالأمانة التي يحملها ويحاسَب عليها أمام الله عز وجل.


أهداف الحرب

لكن لو تحدثنا عن الحرب بشكل مباشر، بعد أن علمنا أن المقاومة مشروعة لكل مظلوم، فمن الذي انتصر فعلاً؟

من الدارج أن يتحدث الناس عن خسائر قطاع غزّة، وهي خسائر ضخمة من أرواح الشهداء وتدمير البنية التحتية وتدمير المستشفيات والمدارس والكثير من المآسي. لكن عندما ننظر إلى الطرف الآخر، نجد أنه يعد خسائره، وأن قاداته تتوالى استقالاتهم، وأن اقتصاده تعرّض لانهيار صادم، وأن صحفه تتحسّر على هذه الهدنة.

من المهم أن نعرف السياق الذي يعيش فيه الكيان حالياً بسبب الحرب:

  • عرف الجميع أن عبارة “الجيش الذي لا يُقهر” هي أسطورة قابلة للهدم
  • تحوّل الشعوب الغربية من حالة الجهل بالقضية إلى حالة دعم غزّة
  • انتشار المقاطعة والتي تُعد حرباً اقتصاديةً على الكيان
  • نتنياهو والكيان يُدانون في المحاكم الدولية لأول مرة

والأهم من هذا كله، أن أهداف الكيان من الحرب لم تتحقق، فما زالت المقاومة موجودة، وما زالت الأجيال الفلسطينية تؤمن بها، وما زال أهل غزّة في أرضهم بكل ثبات، ولم يخرج الأسرى إلا بعد مفاوضات طويلة!

لم يحقق الاحتلال أهدافه من الحرب، ولهذا يتحسّر اليوم. وبكل صراحة، سنستمر نحن في التساؤل عمّن انتصر في الحرب، وسيبقى أهل غزّة في الميدان، يتركون لنا الكلام، ويركزون في الأفعال.

شارك

مقالات ذات صلة