سياسة

ما بعد وقف إطلاق النار

يناير 16, 2025

ما بعد وقف إطلاق النار

تتجه كل أنظار العالم إلى غزّة، والجميع ينتظر سريان الاتفاق على وقف إطلاق النار، وقد أصبح أقرب من أي وقت آخر. وفي هذه اللحظات، من المهم أن يراجع الإنسان كل ما حدث في الحرب، وهذا ما دفعني لكتابة مقال اليوم..

 

من الذي انتصر؟

السؤال الأبرز الذي يُطرح اليوم: من انتصر في هذه الحرب؟ ولو أنك نظرت إلى قطاع غزّة، وعدد الشهداء فيه، ومشهد المنازل المدمّرة، ستجزم أن الاحتلال الإسرائيلي انتصر في الحرب. ولكن إن نظرت إلى الهدف المُعلن عند الاحتلال، ستجد أنه لم يتحقق، إذ أنهم أعلنوا أن هدفهم القضاء على المقاومة وتحرير الأسرى بالقوة.

لا شك أن أهلنا في غزّة خسروا الكثير، لكنهم كسبوا الكثير كذلك. في البداية أعلن الاحتلال عن رغبته بالقضاء على المقاومة، لكنها موجودة رغم استشهاد عدد من قاداتها. وأعلن الاحتلال عن رغبته بتحرير الأسرى بالقوة، ولكنه اليوم ينتظر موافقة المقاومة بعد فشل كل محاولاته.

يجلس الاحتلال على طاولة المفاوضات اليوم، بعد أن سخّر المليارات لإبادة غزّة وتفادي هذا الموقف. ومن ينظر إلى تصريحات وزير مالية الاحتلال، أو غيره من قادة الكيان، سيعلم دون ريب أن خسائر الكيان كثيرة، اقتصادية وسياسية واجتماعية، وأنهم لا يفرحون بالهدنة، إذ أن أهدافهم لم تتحقق بعد.

والخسائر البشرية التي تحملتها غزّة لا تعني أن طوفان الأقصى كان غلطة فادحة، فقد كانت العملية هي السبيل لإعادة القضية الفلسطينية إلى السطح، وتحرير العالم من البروباغاندا الإعلامية، وتحفيز الناس إلى المقاطعة الاقتصادية.

 

ثبات أهل غزّة

النموذج الذي قدّمه لنا أهل غزّة غير مسبوق في التاريخ. قطاع صغير يعيش فيه ٢ مليون إنسان، نصفهم من الأطفال، يواجهون العالم الذي قرر أن يبيدهم. ومع ذلك، لم يرضخوا لأي صفقة فيها تنازل، ولم يبيعوا قضيتهم بمقابل مادي. هذا نموذج تاريخي شهدنا عليه وسيكتب التاريخ عنه كثيراً.

 

ربما راهن البعض على نهاية قطاع غزّة، لكن ذلك لم يحدث. عندما تدوّن كتب التاريخ تفاصيل هذا العصر، وتكتب أبرز أحداث هذه الحقبة، فإنها لن تنسى ثبات أهل غزّة رغم استشهاد ٤٥ آلفاً في القطاع، وذلك وسط أنظار العالم كله. العالم الذي يرفع شعارات حقوق الإنسان والمرأة والطفل في كل مناسبة، لكنه يتفرّج على إبادة علنية دون اكتراث.

 

المقاطعة

بعد انتشار موضوع الهدنة رأيت من يسأل: “هل انتهت المقاطعة؟”، وهذا سؤال غريب وعجيب. لماذا أصبحنا لا نحتمل مفارقة مطعم أو قهوة رغم وفرة البدائل والخيارات؟ وهل نسي الإنسان دوره اليوم تجاه القضايا الكبرى؟ يتحدث البعض عن الحرب وكأنها لا تمسّه، رغم الجوانب الدينية فيها، ورغم إعلان الكيان عن نيّة التوسّع.

وفي مثل هذه الظروف، لا يخاف الإنسان على أهل غزّة، فهم شهداء عند ربهم، وأطفالهم طيور في الجنّة. لكن الإنسان -المتزّن على الأقل- يتفكّر في دوره تجاه هذه القضية، ولا شك أن المساحة التي يملكها الإنسان واسعة، فالمقاطعة سلاح اقتصادي متاح، والدعاء اليومي متاح، والتبرّع المادي متاح، والنشر بكثافة متاح، ومن الخيبات الكبرى أن يتكاسل الواحد منّا حتى عن هذه الأدوار الصغيرة.

الحرب التي يعيشها أهل غزة اليوم ليست مجرد أزمة داخل حدود جغرافية ضيقة، بل هي قضية شاملة تتجاوز الحدود السياسية والجغرافية، إذ أن الكيان يصرّح علناً برغبته في التوسّع على الأراضي العربية وتغيير خريطة الشرق الأوسط.

التحدي الأكبر أمامنا اليوم هو أن نكون صوتاً لهؤلاء الذين لا صوت لهم. وصحيح أن معطيات الواقع لا تمدنا بالأمل، ولكنها معطيات لا قيمة لها عندما يشاء الله، ولنا في سوريا درس وعبرة.

شارك

مقالات ذات صلة