مدونات

ليلة سقوط ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة

يناير 14, 2025

ليلة سقوط ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة

الكاتبة: أمامة حسن عبدالله

 

في الخامس عشر من ديسمبر للعام ٢٠٢٣ دخلت ميليشيا الدعم السريع عاصمة ولاية الجزيرة ود مدني، وكان ذلك انتقالاً للحرب لمرحلة جديدة خارج ولاية الخرطوم. تتوسط ولاية الجزيرة السودان وتمتاز بكونها سلة غذاء البلاد وتحتضن مشروع الجزيرة الذي يعتبر كواحد من أكبر المشاريع الزراعية في أفريقيا، وتضم حوالي خمسة ملايين نسمة كثاني ولاية من حيث الكثافة السكانية بعد ولاية الخرطوم. هذه الولاية كانت الملاذ الآمن الذي لجأ إليه ألاف من سكان ولاية الخرطوم بداية الحرب فاحتضنتهم واتسعت بيوتها ومدارسها ومساحاتها لهم وتحولت لمركز مهم إنسانيًا وتجاريًا وسياسيًا. ولأهميتها الإستراتيجية كمركز للوصول إلى ولايات غرب وجنوب البلاد كانت طوال أشهر الحرب الأولى تتعرض لمحاولات هجوم من ميليشيا الدعم السريع عبر الطريق الواصل بين مدني والخرطوم، ورغم هذه المحاولات إلا أن سكانها ظلوا صامدين يستقبلون المزيد من النازحين من ولاية الخرطوم.


 لم يتصور أحد ذلك الوقت أن الحرب قد تنتقل فعليًا خارج ولاية الخرطوم، فكان يوم الخامس عشر من ديسمبر حينما استطاعت الميليشيا دخول مدينة ود مدني دون مقاومة تذكر من قوات الجيش السوداني المتواجدة في المدينة يومًا أسود عصيبًا لا يخطر على البال، فكيف ستستطيع الميليشيا دخول هذا البلد الآمن المحمي من قوات الجيش المتأهبة إن لم تحدث خيانة داخل الجيش؟ انسحبت قوات الجيش من داخل مدني بعد أربعة أيام من مقاومة لا تذكر تاركةً سكان مدني في مواجهة قوات الميليشيا المقتحمة فكانت تلك كسكين طعنت ظهور السودانيين أجمع، وبدأت موجة نزوح كبيرة خلال تلك الأيام خشية انتقام الميليشيا الذي لم يتأخر إذ بدأت قواتهم حملات اقتحامها للمنازل والبنوك والمحال التجارية والوزارات والأسواق، واعتقلوا واغتالوا كل من يعارضهم أو لديه قرابة لأحد من قوات الجيش، بالإضافة للاغتصابات التي استخدموها كسلاح للتغرير بحرائر ولاية الجزيرة وعاثوا فسادًا تمامًا كما حدث في الخرطوم.


 حدث كل ذلك بسرعة دون أن يدرك السودانيون كيف ولماذا حدث، وأعلنت قيادة الجيش عن بدء تحقيق للكشف عن ملابسات الانسحاب، تحقيق لم تصدر نتائجه حتى يوم كتابة هذا المقال، فاعتبر السودانيون ما حدث خيانة تركتهم وحدهم في مواجهة الميليشيا وجرائمها المتعددة، فكانت ليلة سقوط ود مدني واحدة من أصعب الليالي التي مرت بالسودانيين في كامل البلاد، ليلة ذُرِفت فيها الدموع وغاب فيها النوم عن أعين الجميع خشية أن تتساقط ولايات السودان الواحدة تلو الأخرى بعد الجزيرة.


 ليُصبح الكثير من السودانيين بعد تلك الليلة في رحلة نزوح جديدة بدأت من الجزيرة وشملت أناسًا من كامل ولايات السودان قاصدين خارج البلاد التي لم تعد مصدرًا للأمن لهم ولأسرهم، وكان سقوط مدني بدايةً لمأساة ولاية الجزيرة لأشهر طويلة قصفت خلالها القرى المدنية بالمدافع واقتحمت وقتل أعداد لا حصر لها من رجالها وشيوخها، صغارها ونسائها، بالإضافة لسرقة المحاصيل الزراعية والمواد التموينية وتعريض سكان قرى الجزيرة للتعذيب جوعًا وعطشًا وخوفًا، فاستمرت مأساة ولاية الجزيرة وامتدت كما خشي السودانيون لولايات أخرى مضيفةً لمعاناتهم الكثير. وظلت خلال أشهر طويلة مدينة ود مدني حسرةً في قلوب السودانيين وهدفًا لقوات الجيش يجب أن يتم تحقيقه في معركة كرامةٍ صعبة الحال.


 ومع مرور الشهور وبدء قوات الجيش السوداني هجومها المضاد وتحقيقها لانتصارات عدة مهدت الطريق إلى أن وصلت لولاية الجزيرة، أصبح حلم تحرير مدني كأنه صار قريبًا، وطمعت القلوب وارتفعت الأيادي تدعو الله أن يحقق ذلك، فكان كل يوم تصل فيه قوات الجيش لقرية من قرى الجزيرة وتطرد الميليشيا منها يومًا يحتفل فيه السودانيون منتظرين بصبر استمرار تقدم قواتهم هذا إلى أن يصلوا لحاضرة الولاية المنشودة. واستمر التقدم وعلت أصوات التكبيرات وصلوات الشكر بين المواطنين وهم يزفون قوات الجيش المتجهة إلى ود مدني.


 وفي صباح الحادي عشر من يناير للعام ٢٠٢٥، بعد ثلاثة عشر شهرًا من تلك الليلة العصيبة استيقظ السودانيون بخبر وصول قوات الجيش لكبري حنتوب، الكبري الذي عبرته قوات الميليشيا أول الأمر لداخل مدني، وها هي الآن قوات الجيش تدخل عبره للمدينة المنشودة تعود حاملة معها آمال السودانيين ودعواتهم وأمانيهم بالعودة. دخل الجيش السوداني مدينة ود مدني مع أنباء بانسحاب المتبقي من قوات الميليشيا خارجها ومطاردة قوات الجيش لها، وبدأت احتفالات في العديد من مدن وقرى ولايات السودان الآمنة بهذا الدخول، فرحة انتظرها الشعب لوقت كان طويلًا بمقاييسهم وقصيرًا بمقاييس الله وتقديره.


 هذا الدخول والتحرير عندما يكتمل بإذن الله وقدرته سيمهد لمهمة تحرير ولاية الخرطوم كاملةً خاصة أنه يتزامن مع معارك في منطقة الجيلي المهمة التي تهجم عليها قوات الجيش القادمة من ولاية نهر النيل والقوات المتواجدة في مدينة بحري.


 نسأل الله أن يكمل نصره ويثبت الأقدام ويسدد رمي القوات المسلحة السودانية ونستودعه مواطنينا وقوات جيشنا وبلادنا، نستودع الله الذي لا تضيع ودائعه.

 

شارك

مقالات ذات صلة