الدراما والفنانون.. بين الثورة للشعوب وخداعهم: أيهما ينتصر؟
دائما ما يكون الفن والدراما هما مرآة لروح الإنسان ومجتمعه في العقود الأخيرة مع تطور آلة الاعلام وصناعة الدراما، إذ يعكسان أفكارنا، همومنا، وآمالنا وطبيعة عيشنا و طرائق معايشنا. ولكن، في سياق التوجهات السياسية الحادة وكذلك الاجتماعية التي تحيط بهما، قد يتغير شكل هذه المرآة الفنية الدرامية بين من يراها وسيلة للتحرر والتعبير الإيجابي، ومن يراها مجرد أداة للخداع والهروب من الواقع. فهذا التباين في الرؤى يعكس الصراع العميق بين الفن كوسيلة للوعي والتمرد على الأنظمة القمعية والادارات المتخاذلة والتخلف الانساني، والفن كأداة لتجميل واقع فاسد يخدم مصالح القوى المسيطرة الشريرة.
فمن جانب، يرى البعض أن الفن هو مرآة الروح، حيث يتجسد من خلاله كل صور الانسان وحالاته ، كالألم، والفرح، والتمرد، والعدالة. فهو أداة لتحفيز الفكر وتوجيه النقد للمجتمع والدولة وممارسات الافراد و المؤسسات . ففي هذا السياق، يشكل الفن مرجعية فكرية تتيح للإنسان طرح أسئلة وجودية وتقديم حلول بديلة للواقع الذي يعيش فيه. والفنانون في هذه النظرة يصبحون شُعراء الحرية، يحملون لواء التغيير ويستفزون مشاعر الناس للنهوض ضد طرق الفساد و مسالك الشرور . وفي هذا الإطار، يكتسب الفن قيمة إنسانية سامية، تحث على التحرر الفكري والعاطفي من قيود الأنظمة القمعية.
وعلى النقيض، هناك من يرى أن الفن مجرد هروب من الواقع، وفيه فرصة للتهرب من القضايا السياسية والاجتماعية الحقيقية التي تمس حياة الناس. فهذه الرؤية، تصبح الدراما والفن وسيلة لتقديم صور زائفة عن الحياة، حيث يتم تجاهل معاناة الشعوب ومشاكلهم الحقيقية في مقابل تقديم واقع مثالي وصناعة عالم من الخيال. فغالباَ ما يدان الفنانين الذين يختارون الانعزال عن القضايا المجتمعية ويحصرون أنفسهم في دوائر فردية، بعيدة عن محاكاة الواقع المعيش ومناقشته و البحث عن حلول عامة لتلك المعضلات.
و الأشد من كل ذلك هو موقف الفنان الذي يختار التحالف مع الأنظمة الفاسدة ليحظى بمكانة أو منفعة خاصة. فهؤلاء الفنانون يصبحون أحياناً أبواقاَ تقوم بالترويج لسياسات قمعية وظالمة، ويتحولون إلى أدوات بيد الأنظمة التي تسعى لطمس الحقائق وتزييف الواقع. فنجد أن الفن يتحول إلى وسيلة لتثبيت القمع وترويجه ، وتدعيم الأنظمة الفاسدة بدلاً من نقدها ومحاسبتها . فعندها يُساء استخدام الفن لتجميل صورة الأنظمة المستبدة، وذلك كفيل بأن يؤدي إلى إفقاد الفن من قيمته الحقيقية ويجعله أداة لخداع الشعب.
وفي الحديث عن السياق السوري كمثال على دور الفنان العربي السوري فيما يحصل من أحداث جارية هناك ، كان للفن دور كبير في الثورة السورية، حيث كان بعض الفنانين يروجون أنهم هم الصوت المقاوم للظلم والفساد، متخذين من الدراما والموسيقى أداة لنقل معانات الشعوب ، لكن مع مرور الوقت، تغيرت مواقف بعض الفنانين، حيث اختار بعضهم الاصطفاف مع النظام، وأصبحوا جزءاً من آلة الدعاية لتجميل صورة الحكومة البائسة التي خاضت في دماء الابرياء من شعبها . و في حين أن آخرين من الفنانين السوريين استمروا في دعم الثورة، محاولين إبراز واقع الشعب السوري وما يعانيه من قمع وظلم. وبعد نجاح الثورة، كانت الانقسامات واضحة بين الفنانين، فغالبية الفنانين الموالين للنظام السابق حاولوا الاندماج في النظام الجديد والتبرأ من النظام السابق ومحاولة الالتفاف على المواقف و تاريخهم ، بينما بقي القلة من البعض الآخر على ولاءه للنظام السابق.
إلا انه يبقى على الشعوب أن تفكر ملياَ وكثيراَ و تتساءل .. هل الفن مرآة تعكس حقيقة الروح البشرية؟ هل بالإمكان أن يكون الفن مرآة حقيقية لمشاكلنا و همومنا؟ و أي نوع من الفن نحن بحاجة إليه في هذا العالم العربي المشتت؟ وهل من الممكن أن ننخدع بما يروج له الفنانون ليحصلوا على حساب أرواحنا ملذاتهم و منافعهم؟