لا يمكن لبلد بمقام مصر أن تساهم في بنائها سلطة، من بين مئات السلطات التي مرت في حكمها وولت، أن تخادع أهل هذا البلد بأن استقرارا يمكن أن يبنى على الخوف والفقر والترهيب. يستحيل كشروق الشرق من المغرب. الاستقرار يبنى على الرضا والقانون والحقوق المتساوية والعدالة. ليس على الاستعلاء بالقوة والتنافس بالحشود وسوء استغلال السلطة ورفع طبقة على كل من عداها والتربح غير المشروع من دون رقابة ومحو العقد الاجتماعي تماما.
لا نريد أن نصل مرة ثانية لعداء بين الشعب ومؤسسات يفترض فيها حماية نفس الشعب، لا نريد وضعية ”الشعب ركب ياباشا“ لا نريد حربا ضد الدولة بالعنف نقتل فيه بعضنا بعضا. نريد تداولا سلميا بالقانون والدستور يتنازل فيه أسوأ من أدارها في مئتي عام لمن يستطيع حمل هذه الأمانة ومحاولة حل الميراث السيء الذي ستتركه هذه السلطة لأجيال قادمة ستحمل عبء إصلاحها. مصر الوطن على هذا الوجه لم يعد يَحْتَمل المزيد. والسلطة لا تدفع شعب مصر إلا إلى هذا المسار الضيق.
الشعب المصري على هذا الحال من الاحتقان في وجود سلطة لا توفر لا العيش الكريم ولا الحرية التي نص عليها الدستور والقانون ولا العدالة الاجتماعية ولا الكرامة الإنسانية التي تعد حقوقا أولية فلم يعد الفشل والإمعان فيه لدرجة الإصرار عليه منهجيا يُختلف عليه. ولم تعد البروباجندا ومساحيق التجميل تخفي وجهه الحقيقي البائس ينطلي على المواطن ولا أي مسؤول. كل هذه الوقت والجهد المبذول في غير وقته والإنفاق في غير موضعه والمواطن يتألم فقط كي لا يتم تداول سلمي قانوني ودستوري للسلطة لفريق ثانٍ ولرئيس آخر. أو ليس ذلك كمن يسلم بعد هزيمته أرضا محروقة؟ تدمرون مصر التي ستغادرونها حتى بقضاء الله جريحة مهانة، فقط لاعتقادك أنكم مخلدون.
هذا المسار الذي تدفعون الناس إليه دفعا وهو مسار لا يريده المصريون ولا يذهبون إليه إلا عندما تٌغلق أمامهم كل السبل السلمية والقانونية والعاقلة الهادئة التي تؤمن بالتؤدة والإصلاح، لا تدفعوهم نحو الجرف فيكفر به الشعب!
في وضعية أصبحت حرجة وملتهبة وصارخة من الإفقار والإحباط والانفجار الوشيك، لا تستدعوا الغضب المكبوت في النفوس من أعمالهم وجرائركم بالرؤية القصيرة غير المسؤولة. جوّعتم المصريين وأوصلتموهم لليأس من غدهم، وهذا أليم على نفوسنا أشد الألم.. مررتم حلوقهم حتى رموا أنفسهم وأبناءهم إلي البحر في مراكب الموت للهجرة غي الشرعية لاحتمال ضئيل بالنجاة على أي وجه أو الموت الرحيم خيرا من الغلب والشقاء في وطنهم مصر.
إذا كان من أبناء وبنات هذا الجيل من يحاول التشبث وغرس الأمل، لا تجتثوا غرسهم وتقتلوه. إذا لم يكن ذلك هو الغباء وقصر النظر، بالله ما الغباء إذن! اتركوا للغد طريقا، اتركوا متنفسا ولو بهامش يسمح للناس ما يكفيهم لجلب غدٍ لهم بطريقة رشيدة وعاقلة.
الاستقرار الذي تعدون به الشعب المصري منذ طلبتم تفويضا وراء تفويض لم ولن يتحقق لأنه ببساطة بُني على باطل والتفويض ما هو إلا مهلة جديدة لتأصيل النفعية والمحسوبية والفشل والفساد. لم يكن المواطن طرفا ولا مركزا لأي قرار. لم يكن المواطن شريكا في أي تشريع. لم ولن يكون المواطن بائعا لأي جزء من أرضه ولا مفرطا بأي أصل من أصوله. لم ينتخب أبدا المواطن نائبا يصوت على إفقاره وتجويعه ورفع الدعم عنه. لم يصوت مواطن على سلسلة قروض واستدانة أفقرته ولم تحقق له لا الحياة الكريمة المستورة ولا الرخاء المنشود والموعود به كذبا. الاستقرار لا يُبنَ أبدا على الخوف، والترهيب وحبس المصريين وإلقاؤهم في الجب ونسيانهم ليس استقرارا. كم من دور المصريين بات لها ثأر لقتل أو إخفاء أو تعذيب أو سجن أبناء أو آباء أو أقرباء؟ كيف تعد هؤلاء بالاستقرار؟ كيف تقر عين هؤلاء وأغلى من يحبون ملقون بلا قضايا ولا تحقيق ولا أحكام؟ والباقي على ذمة السجون وقضايا الضمير.