مدونات

قراءة في كتاب “الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية”.. للمؤلف روجي جارودي

يناير 12, 2025

قراءة في كتاب “الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية”.. للمؤلف روجي جارودي

الكاتبة: حفصة الساف

 

يذكر روجي جارودي في كتابه “الأساطير المؤسسة للسياسة الصهيونية”، أن الصهيونية السياسية التي أسسها ثيودور هرتزل لم تكن نابعة عن العقيدة اليهودية بل عن قومية واستعمار أوروبيين عرفهما القرن التاسع عشر، ورغم المعارضة القوية للصهيونية السياسية، حاز قادتها على أكبر قوة في أمريكا لحمايتهم إنها الولايات المتحدة الأمريكية، فمنذ إعلان بالتمور، قضت المنظمات الصهيونية العالمية على المعارضة اليهودية المتشبثة بالتقاليد الروحية والتعاليم الدينية، وفرضت إنشاء دولة يهودية في فلسطين وليس كما جاء في وعد بلفور “بيت قومي يهودي في فلسطين”.


 الأساطير المؤسسة أدرج جارودي عدة أساطير استخدمتها الصهيونية منذ عقود وسيطرت بها على القوانين الدولية، وأولها الأساطير الدينية والتي تضم “أسطورة الوعد” فقد اغتال الصهاينة كل من يتخلى للعرب عن أرض الميعاد بأمر من الرب، (أرض يهودا وسامراء شرق الأردن الحالي)، لكن شعب أرض صهيون مطالب بنفس مبادئ ومقتضيات العدالة والوفاء لتعاليم الإله. ومن وجهة نظر القانون لا توجد أي وثيقة هبة أمضاها الإله بامتلاك أرض كنعان، وما نراه من تطرف الآن هو آت من العقيدة الصهيونية المتطرفة.


 كما تضم الأساطير الدينية أسطورة “شعب الله المختار” وقد صرح الحاخام كوهن أن سكان العالم صنفان: إسرائيل من جهة والأمم الأخرى مجتمعة من جهة أخرى. وفي الشق الثالث من الأساطير نجد “التطهير العرقي” والذي تجسد في استعمال الروايات التوراتية المحرفة لنشر الحقد الدفين، وتبرير الإبادات والمذابح والمجازر المرتكبة: فتتواصل عمليات “الإبادة المقدسة” في الضفة الغربية، وفي “سفر الاشتراع” يحرض الرب على نهب الأراضي وتشريد الأهالي بل ارتكاب المجازر حتى إفناء الشعوب. إن سلوك الإسرائيليين من بن غوريون وشارون إلى الحاخام مايير كاهانا ثم باروخ غولدشتاين إلى مذابح صبرا وشاتيلا في لبنان التي قام بها رافاييل إيتان إلى مذبحة دير ياسين والتي سلكتها فيالق الإرغون بزعامة بيغين، وذبح فيها 254 من سكان القرية، كلها تنم عن الإرهاب والتطرف الصهيوني الممنهج.


 وتضم أساطير القرن العشرين أولا “أسطورة مناهضة الصهيونية للفاشية”، فقد تعاونت مجموعة من الحركات الصهيونية كالإرغون وشتيرن مع هتلر وموسوليني لأنهم يتبنون جميعا فكرة “العرق الخالص” ويؤيدون فكرة “عدم الاندماج”، فلم يكن هدف الصهيونية إنقاذ اليهود من التهميش والمعاناة التي كانوا يعيشونها في أووربا، بل كان الهدف إنشاء دولة يهودية في فلسطين، تستقطب النخبة من اليهود الأغنياء، الحرفيين، التجار والتقنيين. بدأ التعاون الاقتصادي بين ألمانيا والكيان الصهيوني سنة 1933 ، بإحداث شركتين الأولى هاآفارا في تل أبيب والثانية في برلين تسمى بلاترو، ورغم الحصار الذي شنته دول الحلفاء على هتلر، فقد تعاونت منظمة شتيرن مع النازية وبلغت سياسة التعاون أوجها سنة 1941.


 روج الصهاينة للهجرة اليهودية إلى فلسطين عن طريق الدعايات والاعلانات، ثم الضغط على الحكومات عن طريق التهديدات والأعمال الإرهابية كالتي طالت مدينة بغداد عام 1950 لتسريع تهجير يهود العراق، ورغم ذلك لم تصل نسب الهجرة إلى ما كان يصبو إليه اللوبي الصهيوني، ففي ألمانيا لم يهاجر من اليهود إلا 8,5%، وفي أمريكا لم تتجاوز الهجرة 7%، في حين أن المهاجرين من الاتحاد السوفياتي بلغوا الأغلبية الساحقة بنسبة 75%. 


ومن أساطير القرن العشرين نجد كذلك أسطورة “عدالة نورمبرغ”، وهي محكمة تأسست في لندن سنة 1945 بزعامة المنتصرين في الحرب (الحلفاء)، وتأخذ بعين الاعتبار جرائم المنهزمين فحسب ، فقد فرضت على ألمانيا دفع تعويضات مالية خيالية، وتم الاتفاق على تضييق الخناق على ألمانيا اقتصاديا وعسكريا، وحرض اليهود مجموعة من الدول على تلفيق التهم ضد ألمانيا في المحاكم الدولية، واستغلوا احتكارهم للصحافة والسينما والإذاعة والمسرح والأدب والاقتصاد.


 انتشرت خرافة إبادة النازيين لستة ملايين يهودي في غرف الغاز في أوشفيتز، وتم تغيير العدد إلى 4 ملايين يهودي لتصل إلى مليون و 200 ألف على الأكثر في التعديلات الأخيرة، وبهذا لا يمكن الاعتداد بأي رقم كان لأنه ليس هناك أي وثيقة رسمية تدل على العدد الحقيقي، ولا توجد أي وثيقة تحمل توقيع هتلر بخصوص إبادة اليهود، بل تم تزوير الخطابات النازية وإبدال كلمة “طرد” بكلمة “إبادة” من قبل المترجمين المتحيزين، لكن الواقع كان عكس ذلك، فقد شارك اليهود كيد عاملة في مجموعة من الصناعات والمهن من سنة 1942 إلى 1944 في معسكرات أوشفيتز النازية.


في المقابل خصص بيغين مبلغ 850 ألف دولار لإنجاز شريط “الإبادة” وتم إنتاج أفلام و وثائقيات عن الهولوكوست، وتم اغتيال وتهديد مجموعة من الكتاب والمفكرين لوضعهم “الهولوكست” موضع شك وتساؤل، بل وتم الضغط عليهم للإدلاء بالاعترافات والشهادات المرغوب فيها من قبل اللوبي الصهيوني.


 وقبل أن تنتقد الدول الاستعمارية همجية هتلر وتهجيره لليهود، فقد كانوا هم السباقين لإبادة 60 مليون من الهنود وتهجير الأفارقة بنحو 20 مليون شخص إلى أمريكا ومنهم من لقي حتفه قبل الوصول.


 أما أسطورة “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض” فقد فندها البروفسور “إسرائيل شاهاك” قائلا بأن فلسطين كانت تضم 385 قرية عربية من أصل 475 قرية دمرتها الجرافات سنة 1948، واختفت مئات القرى بمنازلها ومقابرها وأسوارها، وتم تدمير 20 ألف بيت عربي بالديناميت، وصرح الصهيوني آحاد حاعام أن الفلاحين الفلسطينيين كانوا يصدرون 30 ألف طن من القمح، واحتلوا الصدارة في إنتاج البرتقال مابين 1922 و 1938.


وفي ثورة الحجارة قتل الاحتلال 1116 فلسطينيا منهم 233 طفلا منذ 1980 حتى 1993، وبلغ عدد الجرحى 20 ألف شخص، فأين هي الأرض التي كانت بلا شعب.

 

تجلى الاستخدام السياسي للأساطير عن طريق اللوبي الصهيوني المتمركز في الولايات المتحدة الأمريكية و الذي يراقب الكونجرس ومجلس الشيوخ ورئاسة الجمهورية، ووزارة الخارجية، ووزارة الدفاع ووسائل الإعلام وكذا يضغط على الجامعات والكنائس. قدمت أمريكا “لإسرائيل” 28 مليار دولار كمساعدات اقتصادية وعسكرية، فتضاعفت ميزانيتها أربع مرات في عام 1982 بمقدار 900 ألف دولار، لتصل إلى 6 ملايين و 900 ألف دولار عام 1988. كما قدم رؤساء أمريكا مساعدات ضخمة “لإسرائيل”، من أمثلة ذلك وهب الرئيس الأمريكي نيكسون “لإسرائيل” 45 طائرة إضافية من نوع فانتوم وما يزيد على 80 مدمرة من نوع “سكايهوك”. إن قوة القبضة الصهيونية تأتي من القفاز الفولاذي الأمريكي الذي يغلفها، ومن الدولارات التي داخل القفاز.

 

 أما اللوبي الصهيوني في فرنسا المتمثل في “رابطة مناهضة الميز العنصري ومعاداة السامية”، فقد تغلغل في وسائل الإعلام: في التلفزيون، والاذاعة والصحافة المكتوبة وكذا السينما خاصة مع الغزو الهوليودي، وكل رئيس فرنسي صعد إلى الحكم إلا وقد زار “إسرائيل” وحصل على المباركة المادية والعسكرية، رغم أن نسبة اليهود في فرنسا لا تتجاوز 2% . وكان التلاعب بالأحداث خطيرا، فعند ارتكاب مذابح ومجازر فظيعة يتستر الإعلام الغربي بأحداث أخرى مفتعلة يتم التركيز عليها، فقد قام الاحتلال بمجازر صبرا وشاتيلا لكن التغطية الاعلامية ركزت على الاعتداء الذي وقع في معبد اليهود ببروكسيل بغية التعاطف مع الحدث المفبرك وتهميش الحدث الأهم.


انكب السخاء الغربي على “إسرائيل” وسعت المنظمات والحكومات بتقديم المساهمات المادية والعسكرية والاقتصادية، خاصة أن السياسات الصهيونية العنصرية تتبنى أفكار الحكومات الرأسمالية التوسعية، والتي تهدف إلى الاستيلاء ونهب ثروات باقي الشعوب.


يبقى هذا الكتاب أدق ما كتب عن الصهيونية الاسرائيلية بشكل تفصيلي، فقد قدم حججا دامغة وبراهين قاطعة، تدحض وتفند الأساطير الصهيونية التي روج ومازال يروج لها اللوبي الصهيوني في كل وسائل الإعلام.

 

شارك

مقالات ذات صلة