مدونات
الكاتب: مداد علياء
وفي يومِ العلمِ، العلمُ الذي لوْ لمْ ألتمسْ سبيلًا لطلبهِ ما كنتُ يومًا لأمسكَ يراعةً، و لا لأُفيضَ على أسلاتِ يراعتي ما ينبضُ بهِ قلبي، ففيهِ ارتأيتُ أنْ أُسخِّرَ مِدادي لقضيةِ الأمَّةِ الإسلاميةِ جمعاءَ و إنْ كنتُ أعلمُ أنَّ تكلُّمي عنْها لا يوقفُ غاراتِهم، و لا يحقنُ دماءهُم، و لا يُسمنُ و لا يُغني منْ جوعٍ، و لكنْ ذكرى لألبابِنا منْ أنْ تنامَ عنْ نكبتهم، و ضنًّا بمُهجِنا أنْ تزوغَ عنْ التفكير في رزئهم.
وأنَا واقفةٌ الآنَ بينكُم، أُفكِّرُ في حالِ أشقَّائِنا و قدْ كنَّا للإضرارِ بهم أقربَ منهُ للنَّفعِ في مواطنَ عدَّةٍ، أخذَ لساني يُفتِّشُ عنْ لساني و ذهبَ بيَ الخجلُ منْ أنفُسنا كلَّ مذهبٍ.
كيفَ لا و نحنُ نقفُ وقفةَ الإنسانِ ذي العينِ البصيرةِ و اليدِ القصيرةِ، لا فرقَ بينَ رُؤيتهِ وعدمها فأيادينا لا تكادُ تُقدِّمُ أدنى طائلٍ لهم.
إنَّ أقصى مواطنِ الذُّلِ في نفسِ المُسلمِ هيَ عندَ تساؤلهِ: “ماذا عسانا فاعلينَ؟ و قدْ قيَّدنا العجزُ و الخِذلانُ؟ حُكَّامُنا اجتاحهم الذُلُّ و الهوانُ؟”.
وبالحديثِ عنْ الحُكَّام صارَ يمُرُّ ببالي وحيُ سُؤالٍ : “حنايا ضُلوعِ كلِّ واحدٍ فيهم ماذا تحتضنُ؟ أَقلبًا أمْ صخرًا؟”.
فيا حُكَّامَ العربِ : “أَ يُريحُكم و لا يُنغِّصُ عيشًكُم منظرُ إخوانكم وأعراضُهم تُهتكُ و حُرُماتُهم تُنتَهكُ و دِماؤُهُم تُسفكُ و أرواحُهم تُحصدُ؟”.
والله أصبحنَا نعتذِرُ لهم على بقائِنا على قيدِ الحياةِ ، صرنا نأسفُ لهم على سقوفِ بيوتِنا ، على موائدِ طعامِنا ، على أمنِنا و أمانِنا.
مُنذُ مُدَّةٍ ، رأيتُ مقطعًا لطفلةٍ فلسطينيةٍ في عُمرِ الزُهُورِ ، كانَ كلُّ وشلٍ منْ جسدِها المُرهفِ يرتعشُ لصبَّارةِ البردِ ، حتَّى أنَّها لمْ تقوَ على الكلامِ و لا الحراكِ ، و قدْ رأينَا و ما زلنَا نرى كثيرًا منْ أمثالِ هذهِ الطفلةِ منْ رُضَّعٍ ، حواملَ ، شُيوخٍ .. رأيناهم يتضاغونَ منَ الجُوعِ ، رأيناهم يلجؤونَ إلى الأعلافِ ، رأيناهم وقدْ أصابهم الوابلُ الشديدُ ، رأيناهم يجفونَ لشدَّةِ الرمضِ ، و لا زلنا لا نقوى على مُغالبةِ أنفسنا للكفِّ عنْ كلِّ ما يدعمُ الكيانَ اللعينَ ، و حُكَّامُنا لا يكادونَ يُحركونَ ساكنًا .. فواحسرتاهُ على وشائجِ الدّينِ و الإنسانيَّةِ التي تربطُنا بهم.
لكنْ، و بالرغمِ منْ كلِّ هذا، و الذي نفسي بيدهِ إنَّ آلامهُم تغرسُ بداخلنا جِراحًا لا تبلُّ، و تزرعُ في لواعجِ صُدُورنا منَ السخائمِ والموجداتِ ما لنْ يتبدَّدَ أبدَ الدُّهورِ ، حتَّى صرنا نتمثَّلُ لقولِ القائلِ :
لمْ يبرأْ الجرحُ لكنِّي أُداهمُهُ بالصبرِ حينًا و بالسلوانِ أحيانًا
فوالله لمْ ننسَ و لنْ ننسَ مسجدنا الأقصى ، و قُبَّةَ الصخرة ، تبكي منَ الحسرة ، تقولُ يا ربَّاه ، يا واهبَ الحياة ، بعونكَ اللهمَ ، أُكتُبْ لنا النَّصرَ .
والأجدرُ بنا هوَ أنْ نبكي على أنفُسنا و ننحبها لا عليهم، و نحنُ لسنا بضامني مصائرنا، فهم مصيرُهم يؤولُ إلى شأنينِ اثنينِ لا ثالثَ لهما، إمَّا نصرٌ منْ عندِ اللهِ العزيزِ الحكيمِ، و إمَّا شهادةٌ يظفرونَ بها فيفوزونَ فوزًا مُبينًا.
فيا معشرَ اليهودِ – و إنْ كنتم لا تستحقونَ أنْ تُخاطَبوا أصلًا – :
أسألُ اللهَ أنْ يُبدِّدَ شملكُم ، و أنْ لا يُحسنَ عزاءكُم، و أنْ يُضاعفَ قتلاكُم، و أنْ يجعلَ لكُم شرابًا منْ حميم، و طعامًا منْ زقوم، وأنْ يغمسَكُم في نارِ جهنَّمَ غمسًا، و أنْ يستردَّ حُقوقَ إخوانِنا منكم يومَ يُقالُ لجهنَّمَ: ” هلْ امتلأتِ ؟ ” فتقولُ : ” هلْ منْ مزيدٍ”.
و يا أيُّها الفلسطينيونَ ، يا منْ تجري بدمائكم حميَّةُ الذودِ عنْ الدّينِ و الوطنِ ، أقولُ لكم :
وعدكم اللهُ النصرَ و وعدتُموهُ الصبرَ، فأنجزوا وعدَكم يُنجز اللهُ وعدَهُ، إنَّ أعداءنا و أعداءكم يطلُبونَ الحياةَ و أنتُم تطلبونَ الموتَ في سبيلِ جنَّةٍ عرضُها السماواتُ و الأرضُ، فاستشهدوا في أراضيكم، تُغسِّلُكم دماؤكم و تكفِّنكم ثيابكم و تصعدُ أرواحكم طاهرةً إلى ربِّ السَّماءِ فتلقى عندَهُ جنانَ الخُلدِ إنَّ قطراتِ دمائكم ستستحيلُ إلى شُهبٍ ناريةٍ تهوي فوقَ رُؤوسٍ أعدائكم، و هذهِ الأنَّاتُ المُتصاعدةُ منْ صُدوركم ليستْ سوى أنفاسًا صاعدةً إلى ربِّ السَّماءِ، الذي سيأخذُ بحقوقكم منْ لدن أعدائكم ، فإن ينصُركم اللهُ فلا غالبَ لكم، و ها هيَ ذي نجمةُ النصرِ تتلألؤُ في سمائكم، فاستنيروا بها و اصبروا و صابروا و رابطوا لعلَّكم تُفلحونَ.
ربَّاهُ سلِّمْ أهلها و احم المخارجَ و المداخل
واحفظْ بلادَ المُسلمينَ عن اليمائن و الشمائل