سياسة
في البرلمان، قلت في عام ٢٠٢٠ -قبل وضع يد الجيش على كل الأراضي والمشروعات تقريبا- كان المتبع أنه حين يطالب نائب بقطعة أرض لإنشاء مدرسة أو مسجد أو وحدة صحية أو مركزا للشباب سيرى الأمرّين، حتى أن النائب قد يحصل على الموافقة وغالبا لن يحدث. لكن لو أحدهم ”خبير بالسكك وكيف تُزلل“ سيحصل على ما يريد وستقوم على الأرض العمارات الطائلة ولن يقف بينه وبينها شيء. دللت حتى في جلسة البرلمان بقطعة أرض في دائرتي بكفر الشيخ، أُخذت بعدد من الملايين لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة. بمجرد ما انتهت مهمتهم بالاستيلاء على هذه القطعة، مباشرة بدأت المعركة على بيعها بأضعاف مضاعفة بالقيمة التي حصلوا بها على الأرض. (حوالي ٩٠٠ مليون آنذاك).
تلك الجلسة لم تكن مهمة في أوانه فقط لتقييم الأداء الرديء والملقن من السيد وزير الأوقاف أمام برلمان الشعب آنذاك، وإنما لتقريره واقعا حذرت منه بنقاط محددة عن مخالفات تدلل على فساد ربما يكون أعمق ونتائجه أسوأ. كان لابد أن أعيد إيضاح ما يريدون طمسه وتمييعه، ألا وهو جهد الشعب المصري في إعادة عمارة وليس فقط إعمار المساجد. طلبت من الوزير أن يحدثنا بإحصاء دقيق وليس كلاما مرسلا عن عدد المساجد التي تبنيها الوزارة في كل إدارة أوقاف في السنة؟ وكم يبني المواطنون في نفس المدة وتطلب وزارة الأوقاف منهم التوقيع على الإقرار أنهم سلموا المسجد للوزارة (على المفتاح) أي أنه معدٌ تماما لفتحه وقدوم المصلين للصلاة.
سألته هل تضمه وتعيّن له عمالة أم لا تعيّن؟ بعد أن ألزمت الوزارة كل من يبني ويكمل المسجد عليه أيضا أن يعين عمالا للمسجد! فضلا عن العمال في الوزارة نفسها الحاصلين إما على شهادة محو الأمية أو الابتدائية (نصف التعليم الأساسي) فقط، الذين نقلوا من محال عملهم البسيط في التدرج الوظيفي الحكومي قسريا للعمل في سيناء ومحافظات حدودية، بمرتبات ضئيلة للغاية لا تكاد تكفيهم وأسرهم انتقالات وكل ما يلزم لإنسان لعيشة أولية لبيت واحد فما بالك بحياة الموظف وحياة جيدة له في مكان بعيد وموارده بالكاد لأهله المهمشين أصلا!
أين معاينات وزارة الأوقاف للمساجد ومستوى تأسيسها وفرشها هي ودور العبادة بشكل عام للمصريين على اختلاف عقائدهم وأن يقع كل ذلك تحت الرقابة وأن يفتح هذا الملف للنقاش والمساءلة والتحقيق والوصول لنتائج وجزاءات تتسق مع حال الشعب البائس اقتصاديا. من حق المواطن أن يعلم أم تصرف ضرائبه.
قالت الصحافة آنذاك عن لساني وقت الإغلاق الكامل خلال نهايات أزمة كورونا أو كوفيد ١٩ إننا “نحتاج إلى من يشرح لنا أصلا جدوى استمرار إغلاق دور العبادة في حين أن الذهاب إليها اختياري، ويمكن فتحها جزئيا مع اتخاذ إجراءات الوقاية المناسبة والكافية أثناء ذلك، في ذات الوقت الذى كنا نري الزحام الإجباري بكل وسائل المواصلات العامة وكثير من أماكن العمل التي يتردد عليها المواطن مضطرا في معظم الأحوال، واتباع أهم إجراءات الوقاية فيها مستحيل“. مثال قديم يشرح اللاجدوى من وجود وزارة الأوقاف بميزانيتها المهولة مع الحال الاقتصادي المزري للمواطن حاليا، فضلا عن الهيكل الإداري لوزارة الأوقاف وبه مئات الموظفين من البطالة المقنعة خلف المكاتب غير منضبط. ناهيك عن تلقين موظفيها ترهيب المواطنين في صلوات الجمعة وترسيخ الذعر في عقولهم عن الخطر القادم من الخارج وكأنه الوباء وعن الهواتف التي ستلقي بأبنائهم إلى الجحيم والسجن للأبد وعن تحريض العائلات عن أغلى الناس! على أهلهم وأهل دارهم لاسترضاء الأمن والوزارة وأول الأمر منهم.
أخيرا أتمنى تحت هذا الضغط على كاهل المواطن وصعوبة الحفاظ على رقابة صحيحة لكل وزارة في مصر أن يكون وزير الأوقاف الحالي آخر وزير للأوقاف، الأصل في هذه المسألة أن تعود عهدة المساجد ودور العبادة للأزهر الشريف وأن تقتصر الدعوة وإدارة المساجد على من يمكن أن نأمن لهم، وألا تكون كل خطبة للجمعة في أي مسجد أو زاوية تهديد مقنع للأمن بفزاعة الخروج على أولي الأمر والأشباح واللعنة القادمة إلى أبنائنا إن لم نحبسهم في قمقم في قاع الجب. فلنكن نحن المسؤولين، وليكن البديل هو الديمقراطية والحوكمة الرشيدة واتركوا الدين لله، والوطن للجميع.