سياسة

   ما سر العلاقة المثيرة للجدل بين النصيرية والغزاة عبر التاريخ؟

يناير 6, 2025

   ما سر العلاقة المثيرة للجدل بين النصيرية والغزاة عبر التاريخ؟


من يقرأ تاريخ النصيرية، إحدى الفرق المثيرة للجدل في التاريخ الفكري الإسلامي وكذلك السياسي ، يجد ان تاريخها يتسم بمزيج من الأفكار والمعتقدات التي تتجاوز الأطر الفكرية الإسلامية لتشمل تأثيرات من ديانات وفلسفات مختلفة ومتنوعة، فوفقًا لعدد من البحوث المختصة بتاريخهم فإن النصيرية تعد نموذجًا بارزًا للحركات الباطنية الفكرية التي استخدمت الدين والمعتقد كوسيلة لتحقيق أهدافها الفكرية والسياسية.


فقد نشأت النصيرية في القرن الثالث الهجري كفرقة باطنية فلسفية تعتمد على تأليه البشر و رفع البشر الى مقام الألوهية المسيطرة على التصرف الكوني و الخلقي و المؤسسي لحوادث الامور الكونية الوجودية، فكانت شخصية الإمام علي بن أبي طالب هي في أولى مطالبهم وتم اعتباره تجسدًا إلهيًا، وهو أحد المعتقدات التي تتناقض مع أصول الفكر الاسلامي ، و يقال أن أتباع هذه الفرقة يذهبون إلى تأويل النصوص الدينية بأسلوب رمزي باطني غير ظاهر، مستبدلين معانيها الظاهرة الواضحة البينة التي يفهمها الانسان البسيط في الصحراء بمعانٍ خفية تخدم معتقداتهم غير الواضحة، كما أنهم على حسب بعض الآراء يؤمنون بتناسخ الأرواح وإنكار اليوم الآخر المتعلق بمحاسبة الخلق على ممارساتهم في الحياة الدنيا و تفعيل آلية الحساب و الثواب.


ومن المآخذ على التوجه النصيري هو عداؤه الشديد للصحابة، باستثناء عدد قليل منهم، واستخدمت التأويل الباطني للنصوص القرآنية للتشكيك في أركان الإسلام الكلية الكبرى وشريعته المثلى التطبيقية ، كما أن عقائدهم احتوت على مزيج من التأثيرات والآثار المسيحية والمجوسية، وهو ما يظهر في أعيادهم وطقوسهم وممارساتهم التي تجمع بين عناصر من عدة ديانات مختلفة تاريخيا و جغرافيا و أصولا . 


على الرغم من أن النصيرية قدمت نفسها وتروج ذاتها و تسوق منظومتها الفكرية كفرقة إسلامية، إلا أن حقيقتها الباطنية في تفسير النصوص المقدسة جعلت أهل السنة والجماعة يصنفونها كحركة خطيرة تهدف إلى تقويض العقيدة الإسلامية من الداخل وهدمها ، وهذا الأمر يجعل من المهتمين و المختصين ينادون بأهمية الوعي بخطر النصيرية على المستويين الفكري والاجتماعي، ويدعون إلى دراسات أعمق لتوضيح حقيقتها والتصدي لها علميًا وفكرياَ وممارساتياَ ، فالخطر لا يكمن فقط في أفكارها، بل في قدرتها على الاندماج والتأثير في المجتمعات، مما يجعلها أشد خطرًا من الخصوم والأعداء الظاهرين.


النصيرية ليست مجرد صفحة من التاريخ، بل واقع يحتاج إلى فهم دقيق ومواجهة واعية، خاصة في ظل استمرار تأثيرها في بعض المناطق العربية والاسلامية . فقد أظهرت النصيرية عبر تاريخها السياسي والحركي قدرة فريدة على التكيف مع الظروف السياسية المتغيرة وبناء التحالفات الاستراتيجية مع مختلف القوى لتحقيق مصالحها ، ففي العصر العباسي مثلاَ ورغم محاولات السلطات الرسمية الحكومية للتصدي للفرق الباطنية، استطاعت النصيرية التكيف مع الأوضاع السياسية عبر التخفي والتعاون مع الجهات المعارضة الخارجية، مستفيدة من الانقسامات الداخلية والدينية الحادة في تلك الفترة، كما لجأت إلى الحركات الشيعية الأخرى، مثل الإسماعيلية، لتوسيع نفوذها، وخلال الحروب الصليبية، استغل النصيريون حالة الانقسام الإسلامي، حيث تشير بعض المصادر إلى تحالفهم مع الصليبيين لتحقيق مكاسب محلية في مناطق مثل جبال اللاذقية. هذا النمط تكرر في عهد المغول، إذ تعاون النصيريون مع الغزاة المغول لضمان الحماية الذاتية، ما أثار ريبة السلطات الحكومية السنية تجاههم. و في الحقبة العثمانية، ورغم تعرضهم لمحاولات قمع وردع ممنهج بسبب معتقداتهم وممارساتهم المناهضة للأكثرية السنية، فقد تمكن النصيريون من الاحتفاظ بوجودهم في مناطق معزولة كجبال الساحل السوري، حيث أقاموا مجتمعات مستقلة نسبيًا ، ومع مجيء العصر الحديث، تحول الدور السياسي للنصيرية جذريًا، خاصة في سوريا، حيث استفادوا من الدعم الفرنسي خلال فترة الانتداب لإنشاء “دولة العلويين”، مما عزز نفوذهم في المنطقة، والذي تنامى لاحقًا خصوصاَ مع صعود حزب البعث في ستينيات القرن العشرين، فقد برزت شخصيات نصيرية في المناصب القيادية، مما جعل الفرقة لاعبًا سياسيًا إقليميًا بارزًا.


فتاريخ النصيرية يكشف عن تيار له من الاستراتيجيات في استخدام الدين كأداة سياسية لتبرير أفعالها وتوسيع نفوذها وممارساتها، مما جعلها دائمًا طرفًا جدليًا في الساحة السياسية، سواء عبر التحالفات أو المواجهة مع السلطات السنية.


شارك

مقالات ذات صلة