آراء
تكشف سيرة آفي أو أبراهام الذي سُمّي على اسم جده لأبيه، وأصبح اسمه آبي أو آفي اختصارًا، عن حياة طائفة اليهود في العراق التي سردها لنا في مذكراته “العوالم الثلاثة”، والتي ظهر فيها حضور قوي بين بريطانيا والنخبة اليهودية، وتعاون مباشر في كثير من القضايا.
آفي من أسرة غنية، بدأت ثروة والده مع نهاية الحرب العالمية الأولى، ففي العام 1918 عرض الجيش البريطاني للبيع في السوق المفتوحة كل أنواع المواد الفائضة على الحاجة بما فيها الحديد الخردة والماكينات والأدوات والرافعات وخزانات الماء ومعدات الإنشاء. ابتاعَ والد آفي شلايم وشريكه المعدات بأثمانٍ زهيدة وجنيا أرباحًا طائلة. توسعت مهنتهما بثبات. وفي الوقت المناسب أصبحا أيضًا وكيلين بالعمولة للشركات الأوروبية المنخرطة في الإنشاء في بغداد. اختارتهما الشركة البريطانية «توِيفورد» المتخصصة بأطقم الحمام، وكيلينِ لها في العراق، وكذلك الشَّركات الألمانية والشركات الأوروبية.
يوضّح آفي شلايم في مذكراته أنه من خلال جعل المنتجات البريطانية والأوروبية رفيعة المستوى متوفرة للبيع في «الخان» العائد لهما، كسبَ والده وشريكه دائرة واسعة من الزبائن اشتملتْ على شخصيات عامة ذات منزلة عالية، ووزراء.
الملك فيصل الأول كان زبونهما الأشهر، إذ طلبَ مساعدوه تجهيزات منهما لأجل بناء «قصر الزهور». كان هذا محلّ الإقامة الدائم الذي بناه فيصل الأول له ولأسرته بعد إقامته المؤقتة في «قصر شعشوع» وكان هذا المكان الذي توُفّي فيه الملك غازي.
بالطبع كان بين تجار اليهود ووزراء في الحكومة رِشًى، والرشوة حاضرة في كثير من الفصول بين النخبة اليهودية والسلطة السياسية في العراق.
تكشف مذكرات المؤرخ آفي شلايم عن علاقة قوية بين بريطانيا مع النخبة اليهودية في ظل تصاعد المشاعر الوطنية ورفض الشعب العراقي بريطانيا، كان من الطييعي أن يربط أهل البلد ذلك بعلاقة طائفة اليهود مع الدولة الاستعمارية بريطانيا، والتفاصيل التي يذكرها شلايم تكشف عن تعاون وثيق بين أقاربه مع المخابرات البريطانية، وهنا يمكن فهم العنف العراقي الذي سيصل إلى ذروته بالثورة على النظام الملكي وسحل رئيس الوزراء نوري السعيد، وهو المسلم من العراقيين، قصة هذا التعاون مبثوثة بين صفحات المذكرات.
سيرة عائلة ثرية
تضمّ مذكرات شلايم وصفا لحيوات كثير من أفراد عائلته من الأجداد والأخوال ونساء الأسرة، وقد برع في وصف حالة اليهود في العراق بأسلوب روائي، حتى إنه يذكر أنواع الطعام العراقي مثل «السمك المسگوف»، السمك النهري المشوي على الطريقة العراقية.
وفي الصيف تكون لهم نزهات عائلية متكررة على نهر دجلة، تنتهي في ساحل جزيرة كبيرة، «الجزرة»، عند منعطف قريب من منطقة الكرَّادة.
وينتبه كاتبنا لأدق التفاصيل ونوع التسلية لهذه الطبقة، ويظهر لنا من خلال هذه السيرة، تمتع هذه الطبقة بالثراء والنفوذ والثروة والحياة الرغدة.
كانوا أسرة ثرية ومرتاحة تنتمي إلى الطبقة الوسطى العُليا. أقاموا في بيت كبير، وكان البيت واحدًا من أرقى البيوت في بغداد كلها. بما أنه والده نفسه كان مستورِدًا ومجهِّزًا لموادِّ البناء، فقد كان في وضعٍ يؤهِّله لاختيار أفضل المقاولين لبناء منزله.
في الطابق الأرضي قاعة وغرفة جلوس بها مدفأة حطبٍ أمريكية الصُّنع، وأرائكُ من المخمل الأخضر، وكراسيّ ذوات مساند، وسجاجيد فارسية نفيسة، وغرفة طعام كبيرة. ويوجد سُلَّم يؤدي إلى غرفة نوم والديه وحمَّام فاخر بقرميدٍ أخضرَ مستوردٍ من إنجلترا.
واحدة من ذكريات شلايم العشوائية عن بغداد وهو طفل كانت الاستيقاظ ليلًا، والمشي إلى الشرفة ورؤية عدد كبير من الضيوف جالسين على المرج في الأسفل حول طاولات كبيرة مستديرة ومُحمَّلة بالطعام والشراب، كان النُدَّل يركضون ذهابًا وإيابًا مع الصواني وفي الخلفيةِ فرقة موسيقية تعزف.
لو قارنَّا مذكرات شلايم مع “مذكرات يهودي مصري” التي دوَّنها “ألبير آريه” وصدرت عن دار الشروق فسيظهر لنا تفاوت كبير بين ثراء الطبقة اليهودية في العراق وتوسط حال يهود مصر واختلاف نمط الحياة بين يهودي مصري ويهودي عراقي.
هبة الفرهود
يضمّ الكتاب تفاصيل عن هبة الفرهود وسياقها في تاريخ العراق، ففي خلال يومين من الفوضى، قُتِل 179 يهوديًّا وجُرِح مئات سواهم. دُفن الأموات في قبر جماعي وأُخِذ الجرحى إلى المستشفيات، نُهب 486 مخزنًا و911 بيتًا.
هنا يطرح شلايم أسئلة متعددة عن سياق الجريمة ويسأل: هل كانت حلقة من حلقات العنف ضد اليهود في البلاد العربية؟ ويترك السؤال بلا إجابة، ولو بحث في تاريخ علاقة العرب مع اليهود سيكتشف أنهم عاشوا في كنف الحضارة الإسلامية في أمان وسلام.
قنبلة بغداد
فصل قنبلة بغداد يضم قصة بحث آفي شلايم عن أدلة تثبت تورط الحركة الصهيونية في تفجيرات داخل بغداد لتخويف اليهود وحثّهم على الهجرة إلى إسرائيل، هذا الموضوع شغل عقل شلايم لسنوات.
تحتوي السيرة تفاصيل عما شهدتْه الفترة 1950-1951 من هجرة ضخمة ليهود العراق، ففي مدة تزيد قليلًا على العام، تركت الطَّائفة بأسرها تقريبًا وطنها القديم جِدًّا وراءها، وشقَّت طريقها إلى دولة إسرائيل اليافعة الفقيرة. كانت أسرة شلايم من بين هؤلاء. تغيرت حياتهم جذريًّا وانهار كل ما اعتادوه من حياة مريحة، ولم يستطع شلايم فهم سبب هذا التغيير خلال طفولته. وحاول منذ ذلك الحين فهْمَ ما جرى وسببه.
وفصل قنبلة بغداد من أهم فصول الكتاب حيث يقدم شرحًا مفصَّلًا حول ظروف هجرة يهود العراق إلى إسرائيل وطرق التهريب وموقف الحكومات العراقية المتعاقبة من هذه المسألة، ويمزج بين الوصف التاريخي وقصص حياة عائلته وأهله ويستنطق شهادة والدته عن عديد من الحوادث التاريخية، وفي ظنّي تكمن هنا أهمية الكتاب.
كانت أسرة شلايم جزءًا مما يُسمى “الهجرة الكبرى إلى إسرائيل”، فقد هاجرَ ما يُقارب 110 آلاف يهودي من العراق إلى إسرائيل في الفترة بين حزيران/يونيو 1950 وحزيران/يونيو 1951. وصل عدد المهاجرين منذ تأسيس دولة إسرائيل في 1948 حتى نهاية 1953 إلى قُرابة 125 ألفًا من العدد الكُلي الذي قاربَ 135 ألفَ يهوديٍّ عراقيٍّ. بضعة آلاف غادروا العراق إلى بلدان أخرى، ونحو ستة آلاف مكثوا في العراق.
علَّق أحد أقارب المؤلف، واسمه “إسحاق بار-موشيه” بمرارة في مذكراته التي تحمل عنوان «النزوح من العراق»، قائلًا: «غادرنا العراق بوصفنا يهودًا ووصلنا إلى إسرائيل بوصفنا عراقيين».
سرديات هجرة يهود العراق
تصف السرديَّة الصهيونية الرسمية النزوحَ باعتباره عملًا إراديًّا سبَّبه العداء المحليُّ، وتطرح تفسيرات التهجير بمزاعم حول بيئة معاداة السَّامية المتأصِّلة في الإسلام، والمضايقة التي تعرَّضَ لها اليهود عبر التاريخ من قبل الأنظمة العربية. وفقًا لهذه السرديَّة، هبة «الفرهود» عام 1941 في بغداد مجرَّد حلقة واحدة في سلسلةٍ لا نهائية من الاضطهاد وسوء المعاملة، إذْ واجهَ يهودُ العراق بعد الحرب العربية-الإسرائيلية الأولى تهديدًا واضحًا بالإبادة، لتأتي الحركة الصهيونية من أجل إنقاذهم، ومنحهم حقِّ اللجوء في دولة إسرائيل حديثة التأسيس ليعيشوا بقية حياتهم بحرية وكرامة.
رواية بديلة يطرحها شلايم في الكتاب، يسميها “السرديَّة ما بعد الصِّهيونية”، تؤكّد أنَّ الغالبية العظمى من المهاجرين العراقيين لم يرغبوا بمغادرة العراق، ولا صلة آيديولوجية لهم بالصهيونية، وأنهم ضحايا الأفعال الصهيونية التي كانت ترمي إلى تخويفهم كي يتخلَّوا عن وطنهم الأصلي.
التهمة الأخطر، التي وُجِّهت ضد الحركة الصهيونية وإسرائيل في هذا الارتباط، هي أنهما حرَّضا فعلًا على تفجير أهداف يهودية ببغداد في محاولةٍ للحَثّ على هروب جماعي لليهود العراقيين نحوَ إسرائيل.
في هذا الفهم، الصهيونية، التي برزت بوصفها ردًّا على معاداة السامية في أوروبا أواخرَ القرن التاسع عشر، لجأتْ إلى العنف ضدّ اليهود في البلدان العربية من أجل تحقيق واحد من أهدافها الأخرى، وهو «تجميع المنفيين»، أو إحضار أكبر عدد ممكن من يهود الشتات إلى صهيون.
مؤرخ يبحث عن أدلة التفجيرات الإرهابية
ظلَّت قضية البحث عن الذين نفّذوا بتفجيرات العراق تشغل ذهن المؤرخ آفي شلايم، وعندما كان في إجازة تفرُّغ علمي في إسرائيل بين عامي 1981 و1982، أجرى بحثًا لِمَا أصبح كتابه الأول عن الشرق الأوسط وصدر بعنوان «مؤامرة عبر الأردن: الملك عبد الله، والحركة الصهيونية، وتقسيم فلسطين»، في انتظار صدور ترجمته إلى العربية.
أمضى شلايم معظم العام مع سجلات (أرشيف) دولة إسرائيل في القدس، يرتِّب ملفًّا بعد آخر من الوثائق الرسمية الصادرة حديثًا. ذات يومٍ طلب ملفًّا، رآه في الفهرس، حملَ عنوان «العراق، 1950«.
كان هذا الملفّ يحتوي على نتائج تحقيقات إسرائيلية بشأن تفجيرات العراق التي سرَّعَت هجرة اليهود هناك إلى إسرائيل، قيل لمؤرخنا إن هذا الملفّ لم تُرفَع عنه السِّرية بعدُ، لذا لا يُمكن أن يراه، إذْ لا يُمكن عرض هذا الملفّ لأنه يحتوي على بعض وثائق الموساد، جهاز الاستخبارات والمهامّ الخاصة التابع لإسرائيل… ولم تفلح محاولة قراءة الملفّ الذي يحتوي تفاصيل قضية تفجيرات العراق.
لم يكفّ شلايم عن محاولة الوصول إلى حقائق التهجير، وذات يوم، خلال زيارة لشلايم إلى إسرائيل في عام 2017، بمحض المصادفة تقريبًا، وجد دليلًا ذا مصداقية يقترحُ أن «موساد الأليا بِت» (وحدة ييشوﭪ التي قادت الهجرة غير الشرعية إلى فلسطين)، وكذلك الحركة الصهيونية السرِّية في العراق، كانتا وراء تفجيرات بغداد. مكَّنه هذا الدليل من رؤية قصة أسرته باعتبارها جزءًا من القصة الأكبر بكثير، والمتعلقة بنزوح الطَّائفة اليهودية من العراق. فقد كان قرار مغادرة العراق مؤلمًا لهم للغاية، كما كان حال عديد من العائلات اليهودية الأخرى.
يوضح شلايم أن مسألة القنابل الخمس لعبتْ دورًا كبيرًا في إقناع يهود العراق بالهجرة إلى إسرائيل. السؤال الكبير الذي شغل باله لعقود هو: مَن زرعَ القنابل؟ الدليل الذي اكتشفه يوفّر جوابًا جزئيًّا عن هذا السؤال: ثلاثٌ من خمسِ قنابل كانت صنع الحركة السرية الصهيونية في بغداد.
المؤرخ يصل إلى مصدر المعلومات
بعد ستة وستين عامًا حصل شلايم على القصة غير المَروية وراء النزوح العراقي لإسرائيل.
المصدر كان من صديق للأسرة اسمه يعقوﭪ كركوكلي، يهوديّ عراقيّ وُلد في بغداد عام 1928. شهد يعقوب هذه الأحداث، ويشرح شلايم تذبذب استجابة الطَّائفة اليهودية للهجرة، فقد كانت بطيئةً. مئات فقط تَقدَّموا في المرحلة الأولية للانتقال.
خابَ أمل السلطات الإسرائيلية حيال تلك الاستجابة. جرت مشاوراتٌ أفضتْ إلى ضرورة تنفيذ عملٍ ما من شأنه أن يشجع اليهود على التخلي عن جنسيتهم العراقية. كانت إسرائيل بحاجة إلى قوة بشرية لبناء البلاد التي احتلتها ولزيادة الأعداد في الجيش أيضًا. في ذلك الحين كان عدد سكان إسرائيل قليلًا جدًّا، 600 ألف لا غير، مطوَّقة ببلدان عربية مجموع سكانها عشرات الملايين. كانت هنالك حاجةٌ ماسَّة إلى زيادة أعداد الطرف اليهودي من تلك المعادلة الديموغرافية، ماذا تفعل الدولة الوليدة؟ ترهِّب يهود العراق بعمليات تفجيرية حتى يهاجروا إليها.
وتصل ذروة الدراما في هذا الفصل بحصول آفي شلايم على محضر تحقيق الشرطة العراقية في قضية تفجيرات بغداد ضد الكنس اليهودية، حصل عليه من مصدره يعقوف، الذي حصل على المحضر من ضابط عراقي كبير، في رحلة بحث يعقوف عن حقيقة ما حدث، وتأكد شلايم من صحة المحضر عبر التواصل مع المؤرخ شامل عبد القادر.
عملية لافون والتشكيك في ولاء اليهود للعرب
يزيد قناعة شلايم بتورط الصهاينة في تفجيرات العراق، ما حدث في «صفقة العار»، أو ما أُطلِقَ عليه بخلاف ذلك اسم «عملية سوزانا» أو «قضية لاڤون». أُلقيَ القبضُ على عددٍ من اليهود المصريين لأنهم زرعوا قنابلَ في أماكن عامة وفي مكاتب الخدمات الإعلامية للولايات المتحدة بالقاهرة والإسكندرية. كانت تلك هي عملية “راية إسرائيل المزيَّفة” المصممة لخلق ضغينة بين النظام الثوري الذي يتزعمه جمال عبد الناصر والقوى الغربية.
جنَّدَت استخبارات إسرائيل العسكرية، ودرَّبت وجهَّزت الجاسوس اليهودي وحلقته الإرهابية. أفضى اعتقال عضو واحد إلى انهيار الحلقة بأسْرها. محاكمةٌ ذات دعاية واسعة لتسعة أعضاء، إعدام اثنين منهم والقبض على الضابط الإسرائيلي المسؤول: مائير ماكس بِنيت، هو ماكس بِنيت نفسه الذي أدار عمليات الراية المزيفة في بغداد قبل بضعة أعوام. في عام 1954 كان ضابطًا برتبة مقدم في فرع الاستخبارات العسكرية التابع للجيش الإسرائيلي (IDF). انتحرَ في سجنه بالقاهرة بأن قطع أوردته بشفرة بعد أن عُذِّب وسمع أن السلطات العراقية طلبت تسليمه لها لكونه متَّهمًا هاربًا من البلاد.
كان الهدف وراء عملية سوزانا إفساد العلاقات بين مصر والغرب، وكانت نتيجتها إفساد العلاقات بين الشعب المصري واليهود الساكنين بينهم.
يوضّح شلايم أن الهجمات الإرهابية التي رعتها إسرائيل أكّدَت شكوك المسلمين المصريين بأنَّ مواطنيهم اليهود يَدينون بالولاء لبلدٍ أجنبيٍّ، ويشكِّلون تهديدًا للأمن الوطني. كما عبَّر بروفيسور جامعة ستانفورد جويل بينين: «تورُّط اليهود المصريين في أعمال تَجسُّس وتخريب ضدّ مصر نظّمَتها وأدارتها الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية أثارَ أسئلةً جوهرية حول هوياتهم وولاءاتهم».
شاه إيران ويهود العراق
يقول شلايم في “الفصل السابع: قنبلة بغداد”: “على الرغم من كونها دولة مسلمة، فقد كانت إيران في عهد الشاه من أوائل الدول الإسلامية التي أقامت علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، بعد تركيا مباشرة. سُمِحَ، بناءً على ذلك، بفتح مكتب للوكالة اليهودية في طهران، ومعسكر للمرور المؤقَّت، يُنقل منه اليهود جوًّا إلى إسرائيل”.
يلفت نظرنا في المذكرات أن إحدى وسائل تهريب اليهود إلى إسرائيل كانت عن طريق إيران في عهد الشاه. يعلّق الشيخ عبد العزيز بن خالد آل ثاني على هذه الجزئية في المذكرات عن العلاقة بين إيران وإسرائيل، وينقل معلومة مهمة ذكرها الكاتب والصحفي محمد حسنين هيكل في موسوعته حرب الثلاثين سنة: ثم تردَّدَت أنباء عن اجتماعات سرية تُعقد في قصر المرمر بين الشاه وعدد من الشخصيات الإسرائيلية، في مقدمتها دافيد بن جوريون، والجنرال موشي ديان، وشيمون بيريز المدير العامّ لوزارة الدفاع في ذلك الوقت، وتجاسر السفير اليوغوسلافي في طهران ذات مرة في لقاء له مع الشاه، فقال له: “إن هناك ضيقًا بين السفراء العرب الذين بلغهم أنكم تجتمعون مع بعض الزعماء الإسرائيليين”.
وردّ عليه الشاه قائلاً: “إنني قابلت بعضهم بالفعل، ولكني لم أقابلهم لأسباب سياسية”. ثم أضاف الشاه ما مؤداه أنه استقبل بالفعل بعض الإسرائيليين لأسباب ثقافية لا يستطيع هؤلاء العرب تقديرها. “فهؤلاء الإسرائيليون المثقفون، والعارفون بتاريخ الحضارات، لفتوا نظري إلى أن الذكرى 2500 لتأسيس مملكة كيروش باني الحضارة الإيرانية سوف تحل بعد سنوات قليلة، وأن الاحتفال بهذه الذكرى قد يكون مناسبة إنسانية تجمع العالم كله على الحفاوة بلحظة تاريخية مشرقة”، وأنه سعد كثيراً برأيهم، وخصَّص بالفعل 20 مليون ريال للاستعداد لهذه الاحتفالات من الآن».
“حرب الثلاثين سنة (سنوات الغليان)” لمحمد حسنين هيكل (٥٢٢/٢-٥٢٣).
ويعلِّق الشيخ عبد العزيز قائلًا: “فهذا نقل آخر بالإضافة إلى ما حكاه شلايم نفسه في هذه المذكرات، عن دور الشاه وإيران في تيسير تهجير اليهود من العراق وتوفير الملاجئ والحماية، ثم السفر بالطائرات الأمريكية إلى مطار اللد في فلسطين”.
ومن المفارقات أن ذكرى قورش التي احتفل بها الشاة بناء على نصيحة الصهاينة كانت شؤمًا على مُلكِه، فقد زاد فيها الترف وسبَّبَت موجة تبذير عارمة وكانت من أسباب الحنق عليه، وكانت الاحتفالات تجسيدًا لجنون العظمة لدى الشاة، مما سرع الثورة عليه.