مدونات
الكاتبة: إسراء شاكر
سقط نظام بشار الأسد، وعادت سوريا لأحضان أبنائها، وطلع الصبح لأول مرة دون سجن أو قيد، وهتف الناس للحياة والحرية دون خوف من سوط أو مشنقة، وفي غمرة اللحظة التاريخية والفرحة التي تملأ الشوارع بالحرية الوليدة كان العدو يتربص بهم، هناك جنوبا في الجولان المحتل.
توغلات إسرائيلية بعد ساعات فقط من فرار الأسد وسيطرة المعارضة المسلحة على دمشق، بدأت إسرائيل تحركاتها مستغلة فراغ المواقع الحدودية نتيجة عملية الانتقال المفاجئ للسلطة، فشنت الهجوم برا وجوا، فبدأت بالطائرات التي نفذت هجمات متتالية على مواقع عسكرية ومخازن أسلحة وأنظمة صواريخ ومنظومات دفاع جوي في عملية قيل إنها الأكبر لإسرائيل في سوريا، نتج عنها تدمير ما نسبته 70- 80 % من القدرات العسكرية السورية وفقا للتقديرات الإسرائيلية.
أما برا فقد بدأت إسرائيل توغلاتها في المنطقة العازلة في خرق واضح لاتفاقية فض الاشتباك الموقعة بين سوريا وإسرائيل في ٣١ مايو/أيار عام ١٩٧٤م، حيث وصلت القوات الإسرائيلية واستولت على جبل الشيخ الذي يبعد قرابة عشرة كيلومترات من الحدود مع الجولان المحتل. وفي خطوة استعراضية زار بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي جبل الشيخ وألقى خطابا من هناك جاء فيه أنه كان في تلك المنطقة منذ ٥٣ عاما كجندي وهي منطقة مهمة بالنسبة لإسرائيل ولكن أهميتها زادت لأمن إسرائيل في الأيام الأخيرة، وأكد أن القوات الإسرائيلية تنوي البقاء لفترة من الوقت حددها بعد ذلك بنهاية عام ٢٠٢٥ م في تلك المنطقة أي قمة جبل الشيخ حتى يتم التوصل إلى ترتيب يضمن أمن إسرائيل.
عين إسرائيل على دول الجوار
تأتي أهمية جبل الشيخ الكبيرة من موقعه وارتفاعه، فموقعه في الجنوب السوري وارتفاعه الشاهق الذي يبلغ نحو ٢٨١٤ مترا فوق سطح البحر يجعله نقطة مراقبة طبيعية تطل على لبنان حيث يمكن مراقبة حزب الله، ودمشق حيث القيادة السورية الجديدة التي لا تأمنها إسرائيل إذ يبعد الجبل حوالي ٣٧ كيلو مترا عن العاصمة السورية، كما يُمكن منها مشاهدة جزء من الحدود الأردنية والفلسطينية. بالإضافة للأهمية العسكرية الكبيرة لهذا الجبل فالأهمية الاقتصادية لا تقل عنها، إذ يحوي الجبل ينابيع طبيعية تغذي عددا من الأنهار مثل نهر الوزاني ونهر جرجرة ونهري اليرموك والأردن مما يجعله خزانا مائيا لتلك المنطقة، والسيطرة عليه تمنح إسرائيل أفضلية عظيمة.
أضف إلى ذلك القيمة الدينية التي توليها العقيدة اليهودية لذلك الجبل، إذ ذُكِر مرات عديدة في النصوص الدينية اليهودية ما يرفع أصوات المتطرفين اليهود بأهمية البقاء فيه بشكل دائم.
ردود فعل دولية بعد سيطرة إسرائيل على منطقة جبل الشيخ وإلغائها العمل بالاتفاقية بينها وبين سوريا، خرجت ردود الفعل الدولية باهتة باردة لا ترقي إلى عِظم تلك الخطوة التي تعتبر انتهاكا سافرا للقانون الدولي فيما عدا إدانة عدة دول لتلك الخطوة منها مصر وقطر والسعودية والأردن بالإضافة إلى تركيا والأمم المتحدة، بينما جاء رد الولايات المتحدة بأن تلك الخطوة ضرورية لأمن إسرائيل وأن لها الحق في الدفاع عن نفسها.
احتلال دائم بغلاف مؤقت
أعلنت إسرائيل أن توغلاتها وسيطرتها على المنطقة العازلة هي خطوة مؤقتة لحين التوصل لترتيب آخر يضمن أمن إسرائيل. والترتيب الآخر هذا هو ما يشغلنا هنا، فهل الترتيب الآخر يعني أن تجلس إسرائيل إلى طاولة مفاوضات بعد الضغط الدولي عليها لتوقف توغلاتها في الأراضي السورية للاتفاق حول مصير الأرض التي احتلتها في الشهر الأخير؟ فتكون سوريا بذلك قد سلمت ابتداء بشرعية احتلال إسرائيل لهضبة كاملة اسمها الجولان، وتكون المفاوضات قد بدأت أصلا بمكسب إسرائيلي هو اعتراف دولي بالجولان جزء منها.
الناظر بإمعان يرى أن كل خطوات إسرائيل تؤكد عكس كلامها، فبداية بحديث رئيس الوزراء عن البقاء طيلة عام ٢٠٢٥م، ثم موافقة الحكومة الإسرائيلية على خطة تعزيز الاستيطان في الجولان المحتل ومضاعفة عدد السكان هناك، وصولا إلى إقرار الجيش الإسرائيلي بإطلاقه النار على محتجين عقب توغلاته في قريتين في محافظة درعا جنوبي سوريا.
إجراءات كلها تخلص إلى نتيجة واحدة مفادها أن إسرائيل ترغب باحتلال تلك المنطقة بشكل دائم، إذ كيف تأتي بمواطنيك إلى منطقة لا تضمن أمنها؟ وإسرائيل لا تضمن الأمن إلا باحتلال الأرض. عدم وجود جيش سوري قوي تخشي إسرائيل الصدام معه واقتراب قدوم الإدارة الأمريكية الجديدة معطيات ربما شجعت إسرائيل على تلك الخطوات، فقد تقف إدارة ترامب معها في ذلك كما سبق واعترفت بالجولان المحتل جزءا لا يتجزأ من إسرائيل عام ٢٠١٩م في مخالفة صريحة للقانون الدولي، فما الذي يجعل إسرائيل تفرط في هكذا إنجاز تاريخي مجاني حصلت عليه دون رصاصة واحدة؟ وكم من أرض دخلتها إسرائيل لفترة وجيزة ثم بقيت لعقود!
إن بقاء إسرائيل في جبل الشيخ هو نكبة جديدة ليس لسوريا وحدها وإنما للمنطقة بأكملها، ووقوف دول المنطقة إلى جانب سوريا لتذكير العالم بأنها دولة ذات كيان وسيادة وحدود هو واجب، لأن إسرائيل كيان استعماري توسعي لا يطمح للعيش بسلام ولا يقنع بأرض.