أدب

المُرَقِّش الأكبر: قصة وفاة عجيبة!

ديسمبر 20, 2024

المُرَقِّش الأكبر: قصة وفاة عجيبة!


المُرقش الأكبر هو أحد مشاهير بني قيس بن ثعلبة، الذين هم إحدى قبائل بكر بن وائل، واسم المرقش هذا عوف، وقيل بل هو عمرو بن سعد بن مالك بن ضُبيعة بن قيس بن ثعلبة. وأم المرقش الأكبر هي قُلابة بنت الحارث اليشكرية، فهي من يشكر الذي هم أيضا إحدى قبائل بكر بن وائل. وسمي المرقش مرقشا لقوله:

الدَّارُ قَفْرٌ والرُّسُومُ كَما — رَقَّشَ في ظَهْرِ الأَدِيمِ قَلَمْ


والمرقش الأكبر هو عم المرقش الأصغر الذي هو ربيعة بنُ سفيان بن سعد بن مالك، والمرقش الأصغر هو عم طرفة بن العبد الشاعر.

المرقش الأكبر صاحبنا له قصة عشق هي سبب هلاكه، وهي أنه تعشق ابنة عمه أسماء بنتَ عوف بن مالك، وكان رُبّي معها صغيرا فعرف بحبه لها ثم أراد أن يتزوج بها، فقال له أبوها الذي هو عمه: “لن أزوجكها حتى ترأسَ” أي حتى تكون رئيسا سيدا من السادات، وحتى تأتي الملوك فيكرموك، فخطبها المرقش إلى أبيها منتظرا تحقيق الشروط حتى يتمكن من الزواج بها.


خرج المرقش إلى أحد ملوك اليمن فأكرمه الملك وحباه وأقام معه المرقش زمنا. وقبل عودة المرقش أصابت عوفا والد أسماء فاقة شديدة، فجاءه رجل من مراد (وهي قبيلة قحطانية)، وكان رجلا غنيا فخطب إليه أسماء ابنته، فتزوج بها المرادي وأمهرها 100 من الإبل، ثم رحل بها إلى قومه. بعد عودة المرقش أشفق عليه إخوته وبنو عمه فلم يستطيعوا إخباره بالحقيقة، فأخبروه أنها ماتت، وذهبوا به إلى قبر زعموا أنه قبرها، وكانوا أخذوا كبشا وأكلوا لحمه وجعلوا عظامه في ثوب وقبروه. فلم يزل المرقش يبيت عند ذاك القبر ظانا أنه قبر أسماء، حتى اختصم صبيان يوما قربه في عظم، فقال أحدهما: هذا عظم من الكبش الذي ذبح ودفن وقيل لمرقش إنه قبر أسماء، فسمعهما مرقش واحتال عليهما حتى أخبراه الخبرَ، فحينئذ عزم على الخروج إلى المرادي الذي تزوج بأسماء كي يستردها منه، فشد على بعير له، وخرج ومعه مولاة له وزج لها من غُفَيلة (وهي قبيلة)، وقد كانا يرعيان ماشية المرقش، فخرجوا ثلاثتهم المرقش ومولاته وزوجها الغفلي، فلما قطعوا أشواطا مرض المرقِش مرضا شديدا، فلجأوا لكهف يقال له كهف خُبّان وكان كهفا في بلاد “مراد” التي هي القبيلة التي تسكن فيها أسماء محبوبة المرقش.


لما مرض المرقش مرضا شديدا وهو في الكهف، اتفقت مولاته وزوجها الغُفَلي على تركه وحيدا في الكهف والتخلي عنه لأنهما رأيا حالته وعلما أن أمره ميؤوس منه، فلما رأى المرقش عزمهما على تركه وحيدا كتب أبياتا يشرح فيها غدرهما بها، كتبها على رحل الغُفَلي والغفلي لا يدري، ثم رحلا وتركاه في الكهف يواجه مصيره ورجعا، فلما أتيا سألهما أهل المرقش عن خبره، فقالا إنه مات. فرأى يوما حرملةُ (وهو أخو المرقش) الأبياتَ على رحل الغُفَلي، فعلم أنهما تركاه وحيدا لحتفه، فاستجوبهما حرملة مرة أخرى حتى أقرا بجرمهما، فحينئذ وثب حرملة على الغفلي فقتله، وأبيات المرقش التي كتب على رحل الغُفَلي هي قوله:


يا صاحبي تَلَوّما لا تعجلا – إن الرحيل رهينُ ألا تعذُلا

فلعل بطأكما يفرط سيئا – أو يسبق الإسراع سيبا مُقبِلا

يا راكبا إما عرضت فبلغن – أنس بن سعد إن لقيت وحرملا

لله دركما ودر أبيكما – إن أفلت الغُفَلي حتى يُقْتَلا


وأنس بن سعد وحرملة هما أخواه قال لهما هذا لكي يعرفا أن الغفلي وزوجته أهملاه وتركاه وحيدا في الكهف يواجه مصيره. ثم قال بعد هذا البيت:


من مُبْلِغ الأقوام أن مرقشا – أمسى على الأصحاب عبئا مُثقِلا

ذهب السباع بأنفه فتركنه – أعثى عليه في الجبال وجيئلا

وكأنما ترد السباع بشِلوه — -إذ غاب جمع بني ضُبيْعة- مَنهلا


هو توقع مصيره بأن تأكله السباع، وقال “أعثى عليه في الجبال وجيئلا”، والأعثى هو الضِّبْعان ذكر الضباع، والجيئل هي الأنثى. وقوله كأنما ترد السباع بشِلوه: الشلو هو بقية اللحم والعظام، يقول إن السباع ستشبع من لحمه وعظامه وترد المنهل لتشرب، وذلك في غياب بني ضبيعة الذين هم رهط المرقش: إذ غاب جمع بني ضبيعة منهلا، ومنهل مفعول به متأخر لترِدُ التي في بداية البيت: ترِد السباع بشلوه منهلا.. وتقول الرواية في شرح المفضليات للأنباري، إن المرقش بعد تخلي صاحبيه عنه في كهف خُبان، وجده راعٍ كان يعتاد ذلك الكهف، فسأله المرقش ممن هو، فقال من مُراد، فتنفس المرقش الصُّعداء لأن مراد هم الذين تقيم فيهم محبوبته أسماءـ فسأله المرقش عن أسماء فقال الراعي أنا أرعى على زوجها، أي إنه يعمل راعيا في ماشية زوج أسماء، فقال له المرقش هل تراها، فقال لا أراها أنا ولا غيري لأنها منيعة في بيت زوجها، فقال المرقش فهل لك من سبيل للوصول إليها، فقال الراعي، إنما تأتيني خادمة لها كل ليلة فأحلِب لها عنزا في قعب وأدفعه لها لتشربه أسماء، فقال له المرقش خذ هذا الخاتَم فإذا حلبت فارمه في القعب فإنك مصيب كل خير. ففعل الراعي ذلك، فلما أتت الخادمة باللبن وشربته أسماء ضرب الخاتَم ثناياها فدعت بنار لتنظر إليه فلما رأته عرفته، فسألت خادمتها فقالت لا أدري اسألي الراعي فبعثت لزوجها فجاء مذعورا وقالت له ادع راعيَك فأتى الراعي فسألوه عن الخاتم، فقال وجدت فتى في كهف خُبَّان هو من أعطاني الخاتَم وأخبرهم بخبره وقال لهم إنه في آخر رمق، فقالت أسماء: “هذا المرقش العجَل العجَل”، فركب زوجها فرسه وحملها هي على بعير ثم خرجا إلى الكهف فوجدا المرقش مشرفا على الموت فحملاه معهما وأدركه الموت في بيت أسماء بعد وصوله بقليل.


وقد قال المرقش وهو في الكهف أشعارا رقيقة منها قوله:

سرى ليلا خيال من سليمى – فأرقني وأصحابي هجود

فبت أدير أمري كل حال – وأرقب أهلها وهم بعيد


إلى أن يقول:

فما بالي أفي، ويخان عهدي – وما بالي أصاد ولا أصيدُ

ورب أسيلة الخدين بكر – منعمة لها فرع وجيد

لهوت بها زمانا من شبابي – وزارتها النجائب والقصيد.

 

عشتم طويلا.


شارك

مقالات ذات صلة