مدونات
الكاتبة: أمامة حسن عبدالله
في يوم الواحد والثلاثين من شهر أكتوبر لهذا العام أقامت تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية والمعروفة بتقدم لقاءً بعنوان وسائل وقف الحرب بالسودان جرت إقامته في العاصمة البريطانية لندن، وهو لقاء قد يبدو لذلك غير العالم بتفاصيل الأزمة في السودان خطوةً مهمةً في سبيل إيقاف الحرب ومساعدة المدنيين المتأثرين بها، وهو الهدف الذي تعمل عليه تنسيقية تقدم منذ نشأتها في عقب بدء الحرب في السودان في الخامس عشر من أبريل ٢٠٢٣ متمثلاً في جمع طرفي النزاع حول طاولة المفاوضات والوصول لحل سلمي لإيقاف الحرب وإدخال المساعدات للمدنيين وبالطبع تشكيل حكومة مدنية بعيدة عن العسكر وتمثل السودانيين.
كلها أهداف قد تبدو لهذا غير العالم بتفاصيل الأزمة السودانية نبيلة وتستحق أن يتم تشجيعها والمساهمة في تحقيقها، فهي في ظاهرها تنم في مصلحة السودانيين.
لكن وعلى العكس من هذا تجمع السودانيين المقيمون في المملكة المتحدة ومن حولها من الدول الأوربية وأقاموا مظاهرة حاشدة حول مقر تشاتم هاوس حيث ألقى عبدالله حمدوك رئيس التنسيقية كلمته، وهتف هؤلاء المتظاهرون بهتافات ضد التنسيقية ورئيسها واتهموها بكونها متسببة ببدء الحرب وبكونها الجناح السياسي الخفي لميليشيا الدعم السريع. لم تكن هذه المرة الأولى التي يتعرض فيها رجال تنسيقية تقدم لتجمعات ومظاهرات مناوئه لهم من قِبل مواطنين سودانيين خلال جولاتهم حول الدول الأوربية، لكنها كانت الأكبر لدرجة اضطرت سلطات مدينة لندن لتقديم تعزيزات أمنية تؤمن خروج عبد الله حمدوك بعد أن تمت محاصرته من قِبل المتظاهرين الغاضبين، وذلك في وقتٍ كانت وما تزال قرى ولاية الجزيرة تتعرض فيه لمجازر واعتداءات الدعم السريع.
تطورت أهداف تقدم عبر أيام الحرب التي تجاوزت ٦٠٠ يوم وتغيرت لهجة متحدثيها التي كانت في بداية الحرب تدعوا كما أسلفنا للحل السلمي والجلوس على مائدة التفاوض مع تأكيدهم لحياديتهم وعدم انحيازهم لأي جانب من جانبي الحرب، لكن هذا الحياد يتم التشكيك به عبر الكثيرين الذين يتهمون تقدم بالتجاهل التام أحيانًا والتقليل وعدم إعطاء أهمية للانتهاكات التي تقوم بها ميليشيا الدعم السريع في حق الشعب السوداني في بياناتهم الصادرة، والتي كانت وما تزال تشدد اللهجة في كل ما يتعلق بتجاوزات الجيش السوداني خلال الحرب ومن ثم تصفع الميليشيا برفق على الخد بكلمات قليلة تدين بها انتهاكاتهم.
وفي يناير من هذا العام وقع عبد الله حمدوك وقائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي اتفاق مبادئ في أديس أبابا وعد من خلاله حميدتي بحماية المدنيين وفتح الطرق أمام المساعدات، لكن وخلال الأشهر التي تلت ذلك الاتفاق لم تلتزم الميليشيا به بل ازداد طغيانها وارتكبت العديد من المجازر مع زيادة عمليات السرقة والنهب والاغتصاب، حدث كل ذلك دون أن تصدُر أي إدانة من حمدوك وتنسيقيته على خرق الميليشيا لاتفاقهم الإطاري.
لتفسد هذه المجازر التي ارتكبتها الميليشيا وكل الانتهاكات في ولاية الجزيرة وحصار الفاشر والجرائم المتعددة في ولاية سنار؛ أفسدت كل محاولة لتقدم لجعل ميليشيا الدعم السريع طرفًا متساويًا مع الجيش ويمتلك شرعية تؤهله لكي يفاوض، فقد تتالت خلال الشهور الأخيرة الإدانات من دول متعددة لهذه الانتهاكات وبدأت أصوات عدة تعلو ضد الميليشيا وقائدها، ذلك ما دفع بتنسيقية تقدم لتغيير أهدافها لأن تضع على الطاولة فكرة نشر قوات أممية داخل السودان.
وقد بدأ ذلك بمحاولات عديدة من تقدم لإضعاف الجيش السوداني وتشويه صورته أمام العالم ومطالبتهم بفرض حظر للطيران لتحييد سلاح الجو ذو الأهمية الكبيرة في الحرب، يضاف إلى ذلك محاولاتهم لنزع السيادة والشرعية عن الدولة لكي يتم التمهيد للوصاية الكاملة من الأمم المتحدة، وبعدها نشر القوات الأممية وإنشاء مناطق آمنة على حسب ادعائهم. تتجاهل تقدم عبر كل ذلك حقيقة أن هذه المناطق الآمنة التي يرغبون في إنشائها موجودة فعلاً في الولايات التي يسيطر عليها الجيش السوداني والتي نزح إليها الملايين من السودانيين بعد أن استباحت الميليشيا أراضيهم. وبعد أن تزايدت انتصارات الجيش السوداني وازداد الضغط على جنود الميليشيا على الأرض ظهرت أصوات من بعض القادة الميدانيين وهم يطالبون أعضاء تقدم بأن يتوقفوا عن اللعب بطرفي الحبل وإعلان انحيازهم التام للميليشيا والمساعدة على تخفيف وطأة ما يمر بهم على الأرض.
تزامن ذلك مع تزايد حدة الخطاب الذي تتحدث به تقدم ضد انتصارات الجيش السوداني حتى وصل بهم الأمر لتلفيق تهمة تصفية الجيش لمتطوعين يعملون في تكايا منطقة الحلفايا بمدينة بحري بعد أن حررها الجيش، وهو أمر قد تم نفيه أولاً من قِبل المواطنين الذين أبدوا سعادتهم بدخول الجيش للمدينة واعتباره نهاية معاناتهم مع الميليشيا. ليكون آخر محاولات التنسيقية للبحث عن الشرعية هو تصريحها بإنشاء حكومة منفى وهي بذلك تعيد محاولات الميليشيا المستمرة منذ أشهر لتأسيس حكومة خاصة بهم في الخرطوم، كأنهم بذلك يحاولون تأكيد السيناريو الذي يروجون له بتفكك وتقسيم السودان كنتاج لهذه الحرب.
وكذلك يحاولون أيضًا تهميش دور الحكومة الفعلية للسودان والتي تحظى باعتراف دولي أوصل رئيس مجلس السيادة لمحطات دولية عدة خلال الأشهر السابقة بالإضافة لزيارات لدول المنطقة والاجتماع مع منظمات دولية مختلفة، لكن وعلى أي حال فإن هذا الاقتراح لتشكيل حكومة منفى قوبل بالرفض من قِبل العديدين داخل التنسيقية نفسها بل وقد تسبب بانقسامات داخلها بين رافض ومؤيد، وكذا قابله الشارع السوداني بالرفض أيضًا فالتنسيقية التي أكدت تحقيقات عدة وتصريحات من منتسبين فيها أن تمويلها يأتي من منظمات ودول أجنبية فقدت أحقيتها في الحكم أمام الشعب السوداني والذي يرى فيها مجرد أداة يتحكم بها ممولو هذه الحرب ومنصة مدنية تتحدث عبرها الميليشيا.