مدونات

سوريا.. حين تُكمم الحقيقة ويصرخ الصمت

ديسمبر 17, 2024

سوريا.. حين تُكمم الحقيقة ويصرخ الصمت

الكاتبة: إسراء الموافي

 

في قلب المأساة السورية، تبرز واحدة من أعظم الأزمات الإنسانية والسياسية التي شهدها العالم الحديث. أمةٌ عريقة تُنهكها الحروب والصراعات، بينما يُفرض عليها تعتيم إعلامي شديد يجعل معاناتها غائبة عن عناوين الأخبار وقلوب الملايين. ومع كل هذا الصمت الدولي والعربي، تُدار المؤامرات في الخفاء لتقسيم البلاد وتمزيق أوصالها، وكأن التاريخ يعيد كتابة فصول الاستعمار، ولكن بأقنعة جديدة.


جنوب سوريا.. وطأة الاحتلال والتآمر


تتجه الأنظار إلى جنوب سوريا، حيث يتحرك الاحتلال الإسرائيلي بخطى ثابتة لفرض سيطرته على هذه المنطقة الحيوية، مستغلًا ضعف الدولة وتشتت القوى الإقليمية. فالمخططات لا تتوقف، من دعم الفصائل المسلحة لزرع الفوضى إلى محاولة ترسيخ وجود دائم في تلك المناطق. الاحتلال يدرك أهمية الجنوب السوري كمنطقة استراتيجية تشرف على الأراضي الفلسطينية المحتلة وتربط سوريا بالأردن ولبنان، ولهذا يعمل بشكل ممنهج لتوسيع نفوذه هناك.


ورغم وضوح هذه السياسات لكل مراقب منصف، إلا أن التعاطي الإعلامي العربي يكاد يكون معدومًا، وكأن هناك اتفاقًا ضمنيًا على دفن الحقائق. ما يُنشر عن سوريا يقتصر على أخبار متفرقة لا تُظهر الصورة الكاملة، في ظل غياب إرادة حقيقية لتسليط الضوء على ما يجري من انتهاكات وأطماع.


إن ما يجري في جنوب سوريا ليس مجرد قضية إقليمية، بل هو فصل جديد من مشروع الهيمنة الذي يهدف إلى ضمان التفوق الإسرائيلي واستمرار تفكك العالم العربي. ومع كل ذلك، تكتفي الأنظمة العربية بالمشاهدة من بعيد، دون أي تحرك فعلي يُعيد الكرامة للأمة ويضع حدًا لهذه الانتهاكات.


الخذلان العربي.. إلى متى؟


أمام ما يحدث في سوريا، يظهر الوطن العربي بموقف لا يليق بتاريخ شعوبه وحضاراته. أنظمة مشغولة بصراعاتها الداخلية، وحكومات تغرق في ملفات اقتصادية وسياسية معقدة، وشعوب مرهقة تحاول بالكاد البقاء. لكن يبقى السؤال: إلى متى سيظل هذا الخذلان مستمرًا؟ وكيف للأمة أن تنهض وهي تترك شقيقاتها تُنهش بلا رحمة؟


التاريخ يُظهر لنا أن صمت الأمة العربية على معاناة أجزائها ليس جديدًا. فمنذ عقود وسوريا تدفع ثمن مواقفها القومية ودعمها للقضايا العادلة. لكنها اليوم تُترك وحيدة تواجه تحديات تفوق قدراتها، من احتلال إلى إرهاب إلى أزمات اقتصادية وإنسانية متفاقمة.


إن القضية السورية ليست مجرد مأساة محلية، بل هي مرآة تكشف هشاشة الموقف العربي وتواطؤ بعض الأنظمة مع القوى الكبرى على حساب الشعوب. وما يحدث في سوريا اليوم قد يكون مصير أي دولة عربية غدًا، إذا استمرت حالة الصمت والتخاذل. فمن يظن أن الأزمات محصورة في حدود بلد معين يخطئ، لأن النيران التي تشتعل في مكانٍ ما لا تلبث أن تنتقل إلى الجوار.


درس الحرية الذي يجب أن يُفهم


من قلب الألم والمعاناة، تعلّمنا شعوب المنطقة درسًا لا يمكن تجاهله: الحرية هي المصير الحتمي لكل أمة، مهما طال الظلم. الأنظمة التي تتجاهل مطالب شعوبها أو تحاول قمعها بالقوة، يجب أن تدرك أن مصيرها ليس إلا الهلاك. فالحرية ليست اختيارًا يمكن التفاوض عليه، بل هي قدر الشعوب التي تسعى للكرامة والعدالة.


لقد أثبتت الأحداث في العقد الأخير أن إرادة الشعوب لا تُكسر بسهولة. قد تمر بلحظات ضعف أو تراجع، لكنها دائمًا تعود لتطالب بحقوقها المشروعة. وكلما زاد القمع والاضطهاد، كلما ازداد تصميم الشعوب على تغيير واقعها. وهذا هو الدرس الأكبر الذي يجب أن تدركه الأنظمة العربية.

سوريا.. أمل رغم الألم.


رغم كل هذا المشهد المظلم، يظل الأمل حاضرًا. سوريا، التي قاومت الغزاة عبر تاريخها الطويل، ستنهض مجددًا. هذا الشعب الذي تحمل ويلات الحروب وتآمر الأعداء والصمت الدولي، يستحق مستقبلًا مشرقًا يعيد له الكرامة التي سلبت، والوحدة التي تمزقت.


الطريق إلى التعافي لن يكون سهلًا، لكنه ليس مستحيلًا. الشعوب العربية، رغم الانقسامات السياسية والثقافية، تُدرك في أعماقها أن مصيرها مشترك. وما يحدث في سوريا يجب أن يُذكرنا جميعًا بأن إنقاذ هذا البلد هو مسؤولية جماعية.


على الدول العربية أن تتحمل مسؤولياتها، ليس فقط من منطلق القومية، ولكن أيضًا من أجل أمنها واستقرارها. فضعف سوريا هو ثغرة يستغلها الأعداء لتوسيع نفوذهم. دعم الشعب السوري يجب أن يتجاوز الشعارات والخطابات، ليصل إلى مستوى الفعل الحقيقي.


خاتمة.. لن نصمت بعد الآن


سوريا اليوم ليست مجرد وطن يئن تحت وطأة المعاناة، بل هي رمز للكرامة التي حاول الأعداء كسرها ولم يستطيعوا. وفي كل شهيد يُدفن هناك، وكل طفل يُحرم من حقه في الحياة، صرخة تستنكر هذا الصمت المميت.


على الأنظمة أن تتعلم من درس سوريا، أن القمع والظلم لا يدومان، وأن إرادة الشعوب هي الأقوى. الحرية ليست حلمًا مستحيلًا، بل هي مصير لا مفر منه، مهما طال الزمن.


وفي النهاية، الأمل الأكبر أن يشرق على سوريا فجر جديد، تعود فيه قوية موحدة، وأن تتعلم الأمة العربية أن صمتها اليوم سيُكلفها غدًا أكثر مما تتخيل.


شارك

مقالات ذات صلة